لويزا لوفلاك - بيروت

إذا ما شوهد من بعض الزوايا، يبدو «بيتاً» ذهبياً شاهداً على العمارة العثمانية بأقواسه وشرفاته المرتفعة التي تطل على منطقة من الأبراج، لكن من زوايا أخرى يبدو مبنى يشيح عنه الناظر بوجهه خشية أن يصيبه الأذى، من مظهر جدرانه المتداعية وحجارته التي تعلوها آثار الرصاص، ولا يحول بينها وبين الانهيار سوى عوارض معدنية رمادية. ومن المفترض أن يكون ذلك «البيت» رمزاً للاعتبار والمصالحة. ويقول سعد يوسف، وهو ينظر إلى «البيت» خلال الأسبوع الجاري: «إذا كان المهندسون المعماريون يتصورون أن ذلك الشيء يمثلني، فهم مخطئون، فهو بيت قبيح، وعليهم أن يهدموه».

غير أن صديقه مصطفى خطيب لا يوافقه الرأي، ويقول: «لا بد أن يبقى، وينبغي أن يشاهد اللبنانيون ذلك (البيت) كل يوم، لأن عليهم أن يتذكروا ما كانوا عليه». وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، كان ذلك البيت يقع في مفترق طرق عرف آنذاك بـ«تقاطع الموت». وقد جعلت الميليشا، التي احتلت ذلك المنزل، منه «عشّاً لقناصيها».

وذلك البيت هو «متحف بيت بيروت»، وقد حصل مؤخراً على منحة بقيمة 18 مليون دولار من السلطات اللبنانية والفرنسية، ويعتبره المهندسون المعماريون «مبنى تذكارياً» فريداً من نوعه، فهو متحف وأرشيف ومركز للزائرين لتذكر الحرب الأهلية، وقد جمعت عملية تجديده بين هيكل المبنى وهيكل زجاجي مزود بالأضواء، وأضافت له مساحة للأرشيف من أجل مجموعات كبيرة من المستندات التي يمكن أن يتفحصها الباحثون.

وفي داخل المبنى القديم، كانت الأسقف سوداء من أثر الحريق، وتقسم إحدى الحجرات في الطابق الثاني أكياس من الرمال. وفي المخابئ البديلة تظهر الشقوق في الجدران، لتسمح للقناصة بمشاهدة الشوارع المحيطة. ولا تزال على الجدران أيضاً آثار رسوم «الجرافيتي»، وأحدها يتضمن كلمة «الجحيم». ويأمل مؤسسو «بيت بيروت» في أن يكون عنواناً لـ«العفو» و«الذكرى»، لكن في دولة لا تزال منقسمة بشكل كبير ومن دون فهم مشترك لسنوات الحرب، لا يزال تحقيق ذلك الأمل بعيد المنال، فالحرب لا تُدرّس في كتب التاريخ.

وليس ثمة حصيلة رسمية لخسائر الأرواح، ولا تزال آلاف الأسر من دون إجابات بشأن مصير الأزواج والأشقاء والأبناء المختفين. وأفاد «يوسف حيدر»، المهندس الذي أشرف على عملية التجديد، بأن «الفكرة كانت إتاحة مكان يجمع الناس في نهاية المطاف، فلدينا كثير من الآثار في لبنان، ولكل مجتمع شهدائه وتماثيله التي يزورها أفراده بالزهور بضع مرات كل عام»، غير أنه على الرغم من أن «بيت بيروت» مفتوح بصورة رسمية منذ أشهر، لكن الزائرين دائماً ما وجدوا البوابات مغلقة لأسابيع.

ولم تعين بلدية المدينة لجنة إدارة أو موظفين حتى الآن، ولا تزال بعض أجنحة المتحف مغلقة حتى أمام المهندسين، الذين أنهوا عملهم الآن. وبالنسبة لمؤيدي المشروع، تعكس عمليات التأجيل غياب إرادة المؤسسة السياسية في فتح ذكريات جروح مؤلمة.

ويقول المكتب الثقافي التابع للبلدية أن المبنى يمرّ بـ«مرحلة انتقالية»، بينما يضع المسؤولون إطار عمل قانونياً لعملياته. وخلال الفترة من 1975 إلى 1990، غرست الحرب الأهلية في لبنان بذور الميلشيات الطائفية وأججتها بعضها ضد بعض، وبحلول نهاية الحرب، باتت بيروت مدينة محطّمة، وتمزّق النسيج الاجتماعي للدولة.

*صحفية أميركية

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»