أحمد الفراج

 تحدثت عن فتنة الإعلام الأمريكي بالرئيس باراك أوباما، وانحيازه له، وأن تلك الفتنة كانت بسبب الكاريزما التي يتمتع بها، والفصاحة اللغوية، والذكاء الاجتماعي، وبالتالي تغاضى الإعلام عن كل أخطائه السياسية الكارثية، وعلى العكس من ذلك، تعامل ذات الإعلام مع خلفه، الرئيس ترمب، إذ يتجاهل الإعلام إنجازاته، ويلاحقه بوحشية، ويضخم أخطاءه، والواقع هو أن ترمب، بنرجسيته وعناده، ساهم في تردي علاقته بالإعلام، فهو ليس على استعداد لأن يتنازل، ويعترف بالواقع، وهو أن إعلام أمريكا محترف، وشرس للغاية، وبإمكانه أن يقلب الحق باطلاً والعكس، فهذا الإعلام سلاح ذو مخالب قوية، ولا يمكن لأي سياسي، مهما بلغت شعبيته، أن يجابه سطوته، وهو الإعلام الذي يملك تاريخاً طويلاً في صناعة نجوم السياسة، مثل جون كينيدي ورونالد ريجان وباراك أوباما، وتدمير البعض الآخر، مثل جيرالد فورد وقاري هارت.

قبل ترشحه للرئاسة، كان ترمب رجل أعمال شهير، وعهد عنه حبه للأضواء والشهرة، وبالتالي استطاع أن يستقطب إعلاميين كبار للترويج له، وإجراء المقابلات معه، وكان كريماً معهم للغاية، وقد صنع منه الإعلام نجماً، يلاحق الناس أخباره ومغامراته، ثم أصبح، هو ذاته، نجماً تلفزيونياً، فزادت تغطيات الإعلام له، وعندما ترشح للرئاسة، لم يأخذ الإعلام هذا الترشح بجدية، نظراً لانعدام خبرته السياسية، وشخصيته التي تعشق الرفاهية والمرح، وعلاقاته النسائية المتعددة. هذا، ولكن ما أن تبيّن أنه يملك حظاً كبيراً بالفوز بترشيح الحزب الجمهوري، بعد أن جندل المرشحين واحداً بعد الآخر، حتى أصبح الإعلام يتعامل معه بجدية، كمرشح رئاسي محتمل، وهذا يعني البحث في تاريخه، وتصيّد هفواته، وإحراجه بالأسئلة غير المريحة!

وبالتأكيد لم يرق ذلك لترمب، الذي اعتاد أن يكون السيد، الذي يقول فيطاع، ومن هنا بدأت أزمته مع الإعلام، ومعظمه إعلام يساري، مثل قناة سي إن إن، وإن بي سي، وصحف النيويورك تايمز والواشنطن بوست، وهذا الإعلام مؤدلج، ويجد متعة في إزعاج وإحراج الساسة، وبالذات المحافظين، ولا شك أن ما زاد من انحياز الإعلام ضد ترمب، هو أنه كان مرشحاً مختلفاً، لا يتقيد باشتراطات المؤسسة الرسمية المعتادة، ولا حتى باشتراطات حزبه الذي ينتمي إليه، أي الحزب الجمهوري، وتقتضي الموضوعية الاعتراف بأن ترمب كان له دور في تفاقم أزمته مع الإعلام، إذ اعتمد شعار التصعيد والتحدي، مع أن بإمكانه المهادنة، ولكنه عنيد، ولا يستمع للمستشارين، والخلاصة هي أن لدى ترمب أزمة حقيقية مع الإعلام، ساهم شخصياً بازدياد وتيرتها، وما لم يدرك أن حربه على الإعلام خاسرة، ويتبع إستراتيجية مهادنة، فإن هذه الأزمة ستتفاقم، إذ يستحيل أن يهزم سطوة الإعلام الأمريكي الشرس، فهل تراه يدرك ذلك قبل فوات الأوان؟!