نوح سميث

 البشر لديهم خوف طبيعي من أن يتم استبدالهم بالآلات. والحكايات الشعبية، مثل أسطورة جون هنري عامل السكك الحديدية الجبار الذي نافس محركاً بخارياً في العمل وتفوق عليه ثم مات من الإجهاد، تصور معركة البشر المستبسلة ضد انتشار التكنولوجيا. وفي بداية القرن التاسع عشر، عبرت حركة غير منظمة للعمال البريطانيين عرفت باسم «اللوديين» عن شعور ثوري قوي في تلك الفترة تمثل في الدعوة إلى تدمير الآلات.

وهذا الخوف طبيعي وليس جنوناً. لكن من السهل المبالغة فيه. ففي مقال رأي نُشر في الآونة في صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار الصحفي المتخصص في الشؤون السياسية «توماس أدسال» أن استخدام الروبوت في الصناعة لعب دوراً مهماً في انتخاب دونالد ترامب رئيساً. وربط «أدسال» بين انتشار استخدام الروبوت وفقدان فرص العمل في الغرب الأوسط الصناعي في جانب، وتحول الطبقة العاملة البيضاء من تأييد «الديمقراطيين» إلى تأييد «الجمهوريين». إنها حجة قوية، لكن هناك أسباب تدفع للشك فيها. فأولاً، هناك سؤال «لماذا هنا؟» فالولايات المتحدة ليست رائدة في استخدام الروبوت في الصناعة، وحتى عام 2015 كانت هناك دول أوروبية وآسيوية متقدمة عليها.

وإذا كان الاضطراب السياسي سببه الروبوت الذي تسبب في نزوح عمال الصناعة، فلماذا تشهد الولايات المتحدة وبريطانيا، وهما دولتان بهما نسبة منخفضة نسبياً من إحلال الروبوت محل عمال الصناعة، أكبر اضطراب شعبوي عام 2016؟ وقد يردد أنصار فرضية «أدسال» أنه حتى لو لم يسيطر الروبوت على الولايات المتحدة، فهناك تأثير كبير للروبوت في ميتشجان وأوهايو وويسكونسن وإنديانا وغرب بنسلفانيا، حيث استفاد ترامب من مكاسب «الجمهوريين» الكبيرة، وحصد الولايات الحاسمة التي تصوت للديمقراطيين عادة.

والمشكلة هي أن ما يعرف باسم «حزام الصدأ» (الغرب الأوسط ومنطقة البحيرات العظمى) شهد تغيرات كبيرة كثيرة أخرى في الآونة الأخيرة. وهذه المنطقة التي تعتمد على الصناعة تحملت العبء الأكبر من تأثير المنافسة الصينية في العقد الأول من القرن الجاري. وربط الاقتصاديون ديفيد أوتور وديفيد دورن وجوردون هانسون بين الواردات الصينية وبين التحول نحو «الجمهوريين» في المناطق الصناعية التي غالبيتها من البيض. وأيضاً أضرت أزمة المخدرات بشدة بميشجان وأوهايو وغرب بنسلفانيا. وتوصلت دراسات إلى أن الأماكن الأكثر تضرراً من تعاطي المخدرات تميل إلى تأييد ترامب.

وشهد الغرب الأوسط أيضاً تغيراً سريعاً في التركيبة السكانية رغم أن المنطقة بها عدد صغير من المهاجرين والعدد تزايد في الآونة الأخيرة. ورصد «أدسال» نفسه أن استطلاعات الرأي، تشير إلى أن الخوف من المهاجرين كان أقوى عوامل التحفيز لدعم ترامب. كما أشار تحليل لوول ستريت جورنال إلى أن زيادة سريعة في التنوع العرقي دفعت البلدات الصغيرة في الغرب الأوسط إلى التخلي عن «الديمقراطيين» في عام 2016. وتشير دراسات العلوم السياسية إلى أن الخوف من زيادة التنوع العرقي ارتبط بشدة باحتمال تحول الأصوات من «الديمقراطيين» إلى الحزب «الجمهوري» عام 2016.

ومازال من الممكن أن إدخال الروبوت في الصناعة ساهم في تدهور اقتصادي طويل الأمد جعل سكان الغرب الأوسط أكثر عرضة لنقمة إدمان المخدرات وجاذبية الخوف من الأجانب. لكن هناك سبب للشك أيضاً في هذا. ففرضية أدسال تعتمد على بحث الاقتصاديين دارون أجيم أوغلو وباسكال ريستريبو يربط بين الروبوت وفقدان فرص العمل وتقلص الأجور. لكن لورانس ميشيل وجوش بيفينز من معهد السياسة الاقتصادية أوضحا أن استنتاجات الورقة البحثية أكثر التباساً مما كتبه عنها كثير من الصحفيين. فاستخدام الروبوت في الصناعة ليس إلا جانباً واحداً من استخدام الآلات البديلة عن الإنسان. وتوصل أجيم أوغلو وريستريبو إلى أن الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات له تأثير إيجابي على خلق الوظائف. وبعبارة أخرى، فحتى لو حل الروبوت محل العمل البشري، فإن تكنولوجيا المعلومات تميل عادة إلى أن تكمل الإنسان. والصناعة التي تعتمد على الآلات وحدها تنفق عشرات الملايين من الدولارات في تكنولوجيا المعلومات كل شهر.

وهذا أكثر بكثير مما ينفقه القطاع على الروبوت. وفي يوم ما قد يستحوذ الروبوت على قسط أكبر من الصناعة. لكن في الوقت الحالي، لمعظم الاستثمارات في التكنولوجيا تأثير حميد فيما يبدو على العمال. وكما أشار ميشيل وبيفينز، فإن تقديرات أجيم أوغلو وريستريبو توضح ببساطة أن تأثير المنافسة الصينية في فقدان الوظائف في قطاع الصناعة الأميركية أكبر ثلاث مرات من تأثير الروبوت. وحتى الباحثون الذين أزعجهم الروبوت، يعتقدون أنه حتى الآن أن التجارة مثلت صدمة أكبر بكثير للعمال الأميركيين. والروبوت على أقصى تقدير يمثل جزءاً صغيراً من قصة ترامب. وحين ننظر إلى العوامل طويلة الأمد التي دفعت الغرب الأوسط نحو تأييد ترامب، يجب أن نفكر أولاً في التجارة مع الصين وانتشار المخدرات والخوف من تغير التركيبة السكانية. فحركة التأييد لترامب ليست تمرداً ضد الآلات.

*أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك الأميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"