خليفة علي السويدي 

كلنا يعلم فضل صلاة الجمعة، فهي تمثل اللقاء الأسبوعي للمسلمين تذكرهم بالله، وتحثُّهم على فعل ما يرضاه والبعد عن ما يغضبه سبحانه. إنها فرصة للاجتماع في طاعة ترقِّق القلوب وتذكر من رانت عليه الذنوب فيخرج منها المؤمن بزاد يعينه على القادم من حياته.

ولمثل هذه الفضائل، كان حضور الصلاة فرضاً لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)، وتعد خطبة الجمعة من أهم سمات هذه الصلاة، لذلك وجب الاهتمام بها وتحقيق شروطها كي يستفيد المؤمن منها حق الفائدة، والمتأمل في المساجد التي تقام بها صلاة الجمعة، يستطيع أن يصنف خُطب الجمعة في الوطن العربي إلى أنماط مختلفة، لعل منها أولاً المساجد الحزبية التي ينتمي فيها خطيب الجمعة إلى تيار من أحزاب الإسلام السياسي، ولا يسمح لغيره من الخطباء ارتقاء منبر الجمعة لموعظة الناس. في هذا النمط من الخطب، تسخَّر المنابر لخدمة الأهداف الاستراتيجية الحزبية، حيث تستثمر النصوص الدينية للمرامي السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وعادة ما يلتزم المنتمون لهذا التيار بحضور خطب الجمعة في مساجد محددة لهم ويدعون الموالين لحزبهم ومن يرغبون في تجنيدهم لحضور خطب الجمعة معهم، فالمساجد عندهم ساحات مهيئة للدعوة كما يقولون، ولتجنيد المزيد من الشباب إلى جماعاتهم.

ثانياً: مساجد التنويم المغناطيسي، عذراً على هذا التشبيه، لكنني أردت تقريب الصورة لكم، في هذه المساجد بمجرد انتهاء الخطيب من مقدمته ترى جل الحاضرين قد سرح في شأنه كأنه في جلسة للتنويم المغناطيسي يغوص خلالها في أعماق ذاته منسحباً عما حوله منسجماً مع أنفاسه حتى تكاد تسمع من بعضهم تمتمات أحلام اليقظة، وتستمر هذه الغفوة حتى يعطيهم الخطيب كلمة السر التي تعيدهم للواقع عندما يقول إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، عندها تجد انتفاضة في المسجد يصلي بعدها الناس وينصرفون كل إلى شأنه ولو سألتهم من مجريات الخِطبَة تتفاجأ بعدد من كان عقله معه.

الصنف الثالث من المساجد تلك التي تحقق الشروط الشرعية لصلاة الجمعة، ويكون الخطيب مفوهاً في منطقه واقعياً في طرحه عملياً في نصحه، فيخرج الناس من تلك الجمعة بزاد إيماني وخطوات عملية تعينهم على الحياة المطمئنة.

بعد هذه المقدمة من حقكم عليّ ربط ما سبق بعنوان المقال، خلال الأيام المنصرمة قضيت مع أسرتي جزءاً من إجازتي في الولايات المتحدة الأميركية، وكنت أصحب أولادي كل جمعة للمسجد المجاور لنا لصلاة الجمعة، وفي نهاية كل خطبة كنت أختبر تفاعلهم العقلي مع ما ورد. وكانت المفاجأة إجماعهم على «جودة» الصلاة الأميركية ولما ناقشتهم في القضية قالوا بصوت واحد: نخرج من المسجد وقد تعلمنا أمراً نستطيع أن نطبقه في حياتنا مباشرة، لذلك هذه الخُطبَة المؤثرة لن تنسى، اسمحوا لي أن أستعرض لكم بعض هذه الخطب: الأولى كانت عن المبادرة وملخصها أن الإنسان مطالب بأن يأتي بأفكار جديدة ومفيدة، وكان السؤال المحوري هل يستطيع كل شخص ذلك؟ وكانت الإجابة نعم. الخُطبَة الثانية كانت عن الزهد فقلت في نفسي حينها: وكيف يزهد الأميركان؟ فكان الجواب أن الزهد في الفكر الإسلامي قد حُرّف ليتلخص في الثوب الرث البالي، والعزوف عن المعالي، لكن الزهد الحقيقي، هو أن تملك كل شيء أحله الله، لكن لا يملكك، فهو في يدك وليس في قلبك.. وهكذا توالت الخُطب كلُّ واحدةٍ أفضل من التي قبلها، فتمنيت حينها أن يتعلم بعض خطباء الأمة سيكولوجية خُطبة الجمعة.