صالح الديواني

أصبح ترمب نجما عالميا لامعا بسبب اصطفاف معظم وسائل الإعلام الأميركية ضده، لكنني أتوقع أن ذلك ربما سيكون سببا في خسارته فيما لو قرر الترشح لفترة رئاسية ثانية

نشر الرئيس الأميركي دونالد ترمب المثير دائما للجدل في خطاباته لائحة تضمنت أسماء وسائل الإعلام التي وصفها بأنها «الأكثر فسادا وانحيازا»، حيث كتب في تغريدة له على حسابه بمنصة تويتر: «2017 كان عام انحياز مفرط وتغطية إعلامية غير نزيهة، وحتى معلومات كاذبة ومخجلة». ولم تسلم كبريات وسائل الإعلام الأميركية من تصنيف ترمب وغضبه، إذ نالت الـ«CNN» التي نشرت صورا ساخرة تقارن فيها بين حشود مراسم تنصيب «أوباما» عام 2013 إثر فوزه بفترة رئاسية ثانية وبين حشود حفل تنصيب «ترمب» قليلة العدد، أربع جوائز ترمبية لوحدها من مجموع 11 جائزة، ونالت صحيفة «نيويورك تايمز» اثنتين منها، وتوزعت البقية على صحيفة «واشنطن بوست، وشبكة ABC، ومجلة نيوزويك، ومجلة تايم، وغيرها.
قد ينطلق ترمب في أحكامه تلك على خلفيات شخصية تجاه تلك الوسائل الإعلامية، لكن الأكيد أن ذلك أثار جدلا واسعا في أميركا حول نوايا ترمب في السيطرة على الإعلام وكبح جماحه لتمرير مشاريعه السياسية في الداخل والخارج بارتياح، وهو الأمر الذي يبدو عصيا جدا وغير ممكن في ظل استقلالية تلك المؤسسات العملاقة.
الإعلام الأميركي بطبعه يتمتع بمساحة كبيرة من الاستقلالية، ولم يخضع عبر تاريخه الطويل إلى ضغوطات البيت الأبيض، لكن الأخير في الوقت الراهن -مع ترمب- بات يقتنص الفرص للإيقاع به وإظهاره في موقف الضعيف، عبر الاتكاء على نقطة الأخبار المزيفة التي تكتسح وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث، وهي المحور الذي يشغل حيزا كبيرا من حديث الشارع المتلقي في أميركا والعالم بأسره، وأصبح مثار قلق دائم، إضافة إلى أن ترمب يسعى من خلال هذه الجوائز إلى تصفية حسابه بعد أن قلب فوزه موازين اللعبة داخل الولايات المتحدة، ليظهر كبطل تحدي الحملات الإعلامية (المزيفة) ضده، وهو ما ذكرته حرفيا تغريدته المشار إليها في بداية المقالة. وكان ترمب قد وصف شبكة CNN في تغريدة تويترية بـ FNN أي شبكة الأخبار «المزيفة» Fake News Network، واتهم في تغريدة أخرى النيويورك تايمز، وشبكات CNN، ABC، CBS، NBC بأنها «عدوة» للشعب الأميركي.
وتعالوا معا لنستطلع ما كتبه «ديفيد سيليتو» مراسل الإعلام في مجموعة BBC البريطانية في 13 نوفمبر 2016، حين طرح سؤالا: ما هو الدور الذي لعبه الإعلام بشقيه، التقليدي والبديل، في نجاح انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة؟
حيث قال ستيلو: «في 30 سبتمبر الماضي، سجلت صحيفة «سان دييغو يونيون تريبيون» سابقة في تاريخها الممتد لـ 148 عاما، إذ أعلنت تأييدها لمرشح ديمقراطي للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون. كان هذا أيضا أول تأييد لمرشح ديمقراطي من جانب صحيفة «ديترويت نيوز» منذ 143 عاما، والأول في تاريخ صحيفة «أريزونا ريبابليك» منذ 126 عاما، لم يكن دونالد ترمب يحظى بشعبية لدى الصحف الأميركية، ومن بين الصحف المائة الأوسع انتشارا، لم يحظ المرشح الجمهوري سوى بتأييد اثنتين، وبينما أيدت أكثر من 200 صحيفة كلينتون، حصل ترمب على دعم أقل من 20 صحيفة، وحتى أن بعض هذا الدعم لترمب كان فاترا على أقل تقدير، وكان أفضل تعليق في هذا الصدد قد ورد من صحيفة «فورت واين نيوز سنتنيل» في السطور التالية: «شكرا للرب على مايك بنس (نائب الرئيس المنتخب)». فيما وصفت صحيفة واشنطن تايمز ترمب بأنه شخص معيب وأقرت بأنه «فظ وسوقي.».
هذا جزء يسير من موقف الإعلام الأميركي ضد ترمب، وهو ما يوضح سبب حنقه الدائم الذي توّجه بإطلاق لائحة وجوائز «الإعلام المزيف» بحسب وصفه، لكن المثير للجدل أكثر هو تمرد ترمب بهذه القوة على وسائل الإعلام الأميركية التقليدية، التي قالت رأيها من خلال استطلاعات الرأي العام في الشارع الأميركي، كما كانت تذكر ذلك دائما في تقاريرها الإخبارية التي صاحبت الحملة الانتخابية لترمب، بل وواصلت ذلك بعد فوزه الذي كان صادما لها بكل المقاييس، والمؤكد أن ترمب أصبح نجما عالميا لامعا بسبب اصطفاف معظم وسائل الإعلام الأميركية ضده، لكنني أتوقع أن ذلك ربما سيكون سببا في خسارته فيما لو قرر الترشح لفترة رئاسية ثانية، فهو أمام آلة إعلامية طالما عُرفت بجبروتها.