وحيد عبد المجيد

لم يشهد العالم حرباً تقليدية بين دولتين أو أكثر منذ الحرب الأميركية على العراق عام 2003. عرف العالم منذ منتصف العقد الماضي ثلاثة أنماط أخرى من الحرب. أولها الحرب بالوكالة War by Proxy، حيث تعتمد دولة على ذراع أو أذرع تابعة لها للقيام بعمليات مسلحة أو التهديد بها، في دولة أو دول أخرى. وكانت إيران، ومازالت، هي أكثر من استخدم هذا النمط من الحرب بصورة منتظمة، بعد أن استثمرت في جماعات محلية في بعض البلدان العربية منذ الثمانينات.

والنمط الثاني هو الحرب غير المتماثلة التي تدور بين قوات نظامية، ومنظمات مسلحة في هذه الدولة أو تلك. وكانت حرب الإرهاب، والحرب عليه، هي الأبرز في هذا النمط الثاني الذي لا يُعد جديداً. فقد عرف العالم الحرب غير المتماثلة المرتبطة بالإرهاب منذ منتصف العقد الماضي عبر مرحلتين. كان الإرهاب في المرحلة الأولى يسارياً مارسته منظمات ماركسية متطرفة في مناطق عدة تحت رايات حُمر.

وصار هذا النوع من الإرهاب في مرحلته الثانية إسلاموياً أو مستتراً برداء إسلامي، ومعتمداً على تأويلات متطرفة وعنيفة لبعض النصوص الدينية والفقهية، ويرفع أعلاماً سوداً. بدأ هذا الإرهاب حربه داخل بلدان عربية وإسلامية منذ سبعينيات القرن الماضي. وأدت هجمات 11 سبتمبر إلى تحول جوهري في هذه الحرب التي صارت عالمية ضد تنظيم «القاعدة» والجماعات المرتبطة به في العقد الماضي، ثم في مواجهة تنظيم «داعش» الذي أُنشئ تحالف دولي عريض ضده في سبتمبر 2014 بعد أن شن حرباً غير مسبوقة في حجمها وتداعياتها، واحتل مساحات كبيرة في سوريا والعراق.

وأدى ذلك إلى نمط ثالث من الحرب غير التقليدية امتزجت فيها عمليات عسكرية نظامية بأخرى غير نظامية. فقد ساندت قوات جوية، ووحدات برية صغيرة، تابعة للتحالف الدولي منظمات وجماعات مسلحة في المعارك ضد «داعش» في سوريا والعراق. وحدث مثل ذلك في مواجهة مليشيا الحوثيين في اليمن عن طريق تحالف عربي. ولكنْ ثمة فرق بين الحالتين. فقد أدى التحالف الوثيق بين قوات نظامية في سوريا والعراق وميليشيات مسلحة تابعة لإيران، إلى ارتباط بين الحرب على الإرهاب في هذين البلدين، والحرب بالوكالة التي تشنها طهران في المنطقة.

وهذه الأنماط الثلاثة مرشحة للاستمرار عام 2018، رغم أن الحرب على الإرهاب حققت معظم أهدافها في سوريا والعراق، لأن خطر «داعش» لم ينته سواء في هذين البلدين، حيث أعاد التموضع في مناطق صحراوية على الحدود بينهما، أو في بلدان أخرى يتوجه إليها بعض مقاتليه، خصوصاً في شمال أفريقيا وساحلها الغربي.

غير أن السؤال المثار بشأن 2018، ولم يكن مثله مطروحاً في مطلع 2017، يتعلق باحتمال نشوب حرب تقليدية. ويُثار هذا السؤال الآن لسببين. أولهما التوتر الذي ازداد بين واشنطن وطهران، بعد أن أعادت إدارة ترامب النظر في سياسة المهادنة التي اتبعتها إدارة أوباما تجاه إيران. والثاني تفاقم أزمة كوريا الشمالية، وبلوغها نقطة قريبة من حافة الهاوية في صيف 2017 عقب إصرار نظام كيم أونج على إجراء تجربتين صاروخيتين نوعيتين في يوليو الماضي. إذ تصاعدت التهديدات المتبادلة بين واشنطن وبيونج يانج، وحدث جدل غير مسبوق حول إمكان نشوب حرب بينهما.

ولكن الاتجاه الغالب في أوراق السياسات التي أصدرتها مراكز تفكير وأبحاث أميركية، وحلقات نقاشية عقدتها ونشرت خلاصاتها، حول حصاد 2017، يذهب إلى أن احتمال مواجهة أميركية-إيرانية أقوى نسبياً، ليس لأن الأزمة الكورية شهدت بوادر تهدئة في الأسابيع الأخيرة فقط، ولكن لأن كوابح المواجهة العسكرية في شمال شرق آسيا تظل كبيرة بسبب آثارها السلبية على المصالح الصينية والروسية.

غير أن احتمال نشوب مواجهة عسكرية بين أميركا وإيران يرتبط بعوامل أهمها تطورات الوضع في المنطقة، ومواقف طهران وسلوكها في الأشهر القادمة. كما يتوقف هذا الاحتمال على ميزان القوى داخل الإدارة الأميركية بين أنصار التصعيد ومؤيدي التهدئة، ومستوى القلق الإسرائيلي من التغلغل الإيراني في سوريا التي يتوقع بعض الخبراء أن تبدأ فيها أية مواجهة في حالة حدوث احتكاك تتعذر السيطرة عليه في جنوبها (إيراني - إسرائيلي) أو قرب حدودها مع العراق (إيراني - أميركي).

وأياً كان الأمر، فليس مستبعداً أن يشهد عام 2018 جديداً ما بشأن أنماط الحرب التي لم يحدث فيها تغيير ملموس على مدى أكثر من عقد.