محمد خلفان الصوافي

 بعض التحليلات العربية التي رافقت الحالة السياسية والأمنية التي تمر بها إيران منذ بعض الوقت، تؤكد الحاجة إلى إعطاء الوضع في هذه الدولة الجارة والنظام الذي يحكمها اهتماماً أكبر لدراسة عقليتها (الملالي فيها والإيرانيون بشكل عام) وفهمها. فهي تحاول تأكيد قدرتها على إدارة أزمة اعتبرت لدى المراقبين الأخطر على مر تاريخها، وفي الوقت نفسه إدارة ملفات خارجية أخرى كانت قبل الأزمة، وكأنه لا تواجه مشكلة أصلاً!

هذه الخلفية تسلط الضوء على حقيقة أنه مع كل التحديات التي مرت على إيران منذ ثورة الخميني، سواء فيما يتعلق بالضغوط الدولية أو حتى مظاهر الغضب الداخلي التي تكررت في أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية. فإن النظام لا يتأثر بشكل مباشر، وهذا ناتج بالدرجة الأولى عن طريقته في إدارة أزماته، إذ عادة ما يوظف كل الأزمات في خلق خلافات أو صراعات سياسية وعسكرية خارج حدوده كي يتفرغ النظام للتعامل مع أي فوضى داخلية ومحاولة احتوائها دون لفت الرأي العام العالمي إلى ما يفعله.

ولعل العامل الآخر، وهو الأهم فيما أعتقد -كوننا المتضررين من بقاء النظام الإيراني- راجع إلى عدم وجود موقف عربي واحد في التعامل مع إيران وفي التصدي لسياساتها الإقليمية المزعزعة لأمن المنطقة واستقرارها. فمع كل ضغط تواجهه إيران، نلاحظ أنها تجد منافذ أخرى، سواء أكانت عربية أم غربية، تستطيع أن تتنفس منها بسهولة ويسر.

المتابعة التاريخية للعلاقات الخارجية لإيران، توضح أنها علاقة يسودها الشك والتوجس، حتى مع الدول التي لها علاقات ودية بها، حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية لنظام الملالي مع ثماني دول عربية منذ عام 1980، لكن في المقابل نجد أن لتلك العلاقة جانباً مصلحياً. فمثلاً هناك دول تبتعد عن السياسات التي قد تغضب إيران في المنطقة، والمشكلة هنا أن إيران تستغل الجانب المصلحي في زيادة تغولها داخل مجتمعات المنطقة مستخدمةً مختلف الوسائل الممكنة. فقد أسست، على سبيل المثال، قوات طائفية في العراق واشترت ولاءات لها هناك، وفي سوريا حاربت بقواتها من أجل النظام السوري. وفي أحدث طور لتغلغلها في سوريا افتتحت ثلاث جامعات لها هناك، بل وصلت في بعض البلدان العربية إلى أن تؤثر في صناعة القرار السياسي مثلما يحدث في لبنان واليمن والعراق وبعض الدول الأخرى من خلال بعض الموالين لها من أفراد.

وهذا ما دفع بالمجتمعات العربية إلى أن تنظر لإيران بوصفها خطراً على استقرارها، خاصة بعدما زاد تركيزها على البعد الطائفي حتى باتت شخصيتها مرتبطة به.

ما يبدو واضحاً في علاقة العرب مع أن إيران أنه من الصعب حدوث تحسن فيها على المدى المنظور تقريباً، ولعل السبب يكمن في «سيكولوجية» النظام الإيراني أياً يكن حيث يعتبر نفسه الوحيد الذي يحق له أن يمثل المنطقة دولياً، لذلك نجد إيران تعمل على إقناع الولايات المتحدة وغيرها من قوى العالم بأنها الممثل الشرعي الوحيد، وفق مفاهيم القومية الفارسية، لهذا الجزء من العالم، وهو ما ترفضه الدول الخليجية والعربية، حتى إذا ما حدث وتغير نظام الملالي وجاء نظام جديد.

الشيء الواضح جداً هو أن الدول العربية رغم معاناتها من النظام الإيراني، ورغم الشكوى الجماعية من تدخلاته، فإنها لم تستطع حتى الآن إيجاد استراتيجية مشتركة للضغط على هذا النظام أو حتى إيجاد آلية عمل مشتركة أو فهم ما يحدث في إيران بالطريقة التي تخدم العرب، بل بالعكس، حيث فتحت كل دولة عربية طريقها للتعامل مع طهران، وربما آخرها الأردن الذي وجد نفسه وحيداً في مواجهة تحديات إقليمية. وبناءً عليه فإن فرص الدول العربية في تحقيق أي نقاط إيجابية من خلال الاحتجاجات الحالية تبدو ضئيلة جداً مع أنها كانت فرصة، وبالتالي فإن أي أمل في تراجع الطموحات الإيرانية في دول الجوار لن يكون مجدياً ما لم يصاحبه عمل مشترك جاد ومنظم.

وكإجراء وقتي للحد من النفوذ الإيراني المتزايد، هناك من يرى إمكانية دعم المعارضة الداخلية والقوى العاملة ضد النظام من الداخل، وهو إجراء غير مرغوب من دول الجوار الإيراني، وهناك من يطرح خيار اتباع سياسة القوة الناعمة من خلال التقارب مع الرأي العام الإيراني لإحداث شق مع النظام، وعبر خطاب يوضح بأن النظام الحالي هو السبب في حالة القطيعة والغضب المتبادل، وأن التباين الطائفي ليس سبباً في ذلك، بل السياسة الطائفية كما ينتهجها النظام.

ما يحتاجه العرب بالفعل هو فهم إيران بشكل حقيقي، بدءاً من قراءة تاريخ علاقتهم معها، وكذلك من منطق فهم النفسية الإيرانية (الفارسية)، وكيفية التعامل مع السياسيين بمختلف المراحل والانتماءات.

والخطير في الأمر أن إيران لديها أساليبها لممارسة الخداع بما يسمح لها بإيجاد منافذ لدى صانع القرار العربي، بعضها سياسية وبعضها الآخر طائفية، ولا ينبغي أن نركز على التحدي الإيراني متمثلاً في نظام الملالي فقط، إذا أردنا فهم الدولة الإيرانية وسياستها حيال العرب.