أحمد أميري

 كنت أتحدث قبل سنوات عن «الشاورما» مع زميل عمل من أبناء مدينة نابلس، وفوجئت به يقول إن أشهى «شاورما» تذوّقها كانت في «تل أبيب». وسبب تفاجئي من تعليقه أنني لم أكن أعلم، أو لم يسبق أن فكّرت في أن بإمكان الفلسطيني من غير عرب 48 الوصول إلى تل آبيب، كما أن ذلك الزميل يلوم الفلسطينيين الذين فضّلوا الحل السلمي مع الإسرائيليين.

وبعد أن شرح لي زميلي طريقة السفر من مدينته إلى تل أبيب، قال لي إن رفض الإسرائيليين شيء والتعامل معهم شيء آخر، فنحن في النهاية جيران، ولا يمكن أن تعيش وأنت تقاطع جارك على كافة المستويات وطيلة الوقت. ولا ينفي تطويق الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين، وصعوبة أن يعيش الفلسطيني من دون أن يتعامل مع الإسرائيليين، حقيقة أن التعامل مع الجار، مهما كان مؤذياً، شرٌ لابد منه.

وتصورّي السطحي للأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في مسألة التعامل اليومي الضروري على الأقل، لا يختلف عن عدم استيعابي للقصة الكاملة للكثير من الخلافات أو طبيعة العلاقات بين الدول العربية أو غير العربية، كالخلاف المغربي الجزائري، أو الياباني الصيني، أو الماليزي الأندونيسي.

ولو اطلعت على كل ما كتب عن هذه الخلافات من وجهة نظر كافة الأطراف، وقرأت نصوصاً أدبية من وحي تلك الخلافات، وتحدثت مع أشخاص من تلك الدول، فبالكاد سأكوّن تصوّراً عاماً عن الموضوع، ولن أعرف حقيقة الأوضاع إلا إذا كنت أعيشها، أو كانت دراسة تلك الخلافات جزءاً من تخصصي ومهام عملي.

وما يحدث بين دول منطقة الخليج العربي يصعب فهمه على غير أبناء هذه المنطقة، وهو الأمر الذي لا يريد أن يستوعبه بعض من يهرفون بما لا يعرفون من وراء البحار أو من خلف شاشات الفضائيات.

تجلى هذا «الهرف» في حوادث كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال الموقف المساند لبعض هؤلاء لصدام حسين في ادعاءاته بأن الكويت جزء من العراق، واقتناعهم بأن الرجل وحدويٌّ يخدم الأمة العربية باحتلاله بلداً جاراً وشقيقاً، أو الدعوات التي كانت تخرج مطالبةً الدول الخليجية العربية بالجلوس مع الإيرانيين و«إنهاء الخلافات» بكل بساطة، أو تلك التي كانت تلوم الدول الخليجية على موقفها من البرنامج النووي الإيراني.

واليوم تأتي الأصوات من بعيد لتشوّش على حقيقة ما تفعله قطر في المنطقة، وتقترح حلولاً للأزمة تنمّ عن جهل بخلفيات ما يجري، عطفاً على طبيعة العلاقات بين دول وشعوب المنطقة، واعتقادهم بأن القضية مجرد خلافات في وجهات النظر ويمكن أن تنتهي على مائدة «مكبوس» اللحم.

ولا يهم هنا مصدر تلك الأصوات، إذ لا فرق في حقيقة «الهرف» بين شخص يسير في الشارع، أو من يجلس خلف مايكرفون الإذاعة، أو من يكتب زاوية في جريدة، أو من يلقي المحاضرات في الجامعات، فمن دون تعمّق أو تخصص يكون الجهل هو الناطق الرسمي مهما سبقت اسم صاحبه الألقاب.