سمير عطا الله

قال تشرشل إن الديمقراطية ليست مثالية، لكنها أفضل الموجود. أحياناً كثيرة تذهب الجماعات إلى اختيار الشخص الخطأ، أو الكتلة غير المناسبة. وأحياناً تخضع الأنظمة البرلمانية لديكتاتورية الأكثرية، وتقحم دولها في مضاعفات بعيدة المدى. وأحياناً لا يصل الرجل الأكثر استحقاقاً إلى أي مكان بسبب جهل الأكثرية الناخبة أو عصبيتها أو حساباتها الضيقة.

ويحدث ذلك في العالم أجمع، وليس فقط في الدول الأقل تقدماً، أو الأقل مراساً في الديمقراطية. وتشعر الشعوب بالندم مرات كثيرة، لكن بعد فوات الأوان. ومن أسوأ غرائب الأداء الديمقراطي أن ثمة رئيساً واحداً في تاريخ الولايات المتحدة لم يتمتع بالاقتراع: 

أصبح جيرالد فورد نائباً لريتشارد نيكسون بالتعيين، عندما استقال نائبه سبيرو أغنيو بتهمة الاحتيال. وعندما أرغم نيكسون بدوره على الاستقالة، أصبح فورد رئيساً بصورة تلقائية، لكن لدى انتهاء ولايته خاض المعركة في وجه جيمي كارتر وخسرها.

ماذا لو فاز؟ الله أعلم. لكن طوال تاريخه السياسي، قبل الرئاسة وبعدها، كان جيرالد فورد يمثل البساطة والأخلاقيات والحياة العائلية. وفوق كل ذلك، كان متواضعاً لا يبقّع حياته أي ادعاء أو أي خبث. وفي مؤلف حديث بعنوان «كتاب أسرار الرؤساء»، يروي المؤلف ديفيد برايس أن المستشارين الذين عملوا مع نيكسون وفورد قالوا إن الأخير كان طيباً وأليفاً وحريصاً على كرامته. 

وأهم ما فيه كان إقراره بعدم المعرفة، وقلة خبرته في الشؤون الدولية. ولم يجد أي حرج مرة في أن يسأل مستشاره برنت سكروكروفت: «وما هي هذه اليونيسكو التي تتحدث عنها؟».

وأجاب سكروكروفت أنها المنظمة الدولية المعنية بشؤون التعليم والثقافة ضمن الأمم المتحدة، فشكره فورد على المعلومات المضيئة، وانتقل إلى البحث في أمور أخرى. وخلال العام الأول من رئاسته، انكب على دراسة الشؤون الدولية مثل طالب شديد الاجتهاد، لكن وزير دفاعه جيمس شلسنغر أصر على معاملته وكأنه لا يزال ينقصه التعليم والرعاية. وذات يوم استدعاه إلى المكتب البيضاوي، وقال له: «الأفضل لكلينا أن نبحث عن موقع آخر في الإدارة». وحاول هذا طوال ساعة إقناعه بالبقاء في الدفاع، فقال له آنذاك: «إذن، لا الدفاع ولا سواها».

كان الرئيس الوحيد غير المنتخب يتيماً تبنته عائلة فورد. ولذلك، ظلت العائلة هاجسه، والتعليم أهم قضاياه. ويشعر الكثيرون من الأميركيين بعقدة ذنب لأنهم لم يقترعوا له.