مؤيد رشيد 

رأينا في السنوات السابقة حنوّاً على الإرهاب من خلال عدم إدانته بشكل عام، وفي تعامله مع الطفولة من خلال تسخيرها تعاملا يفتقر إلى الإرادة في التعاطي مع هذا الأمر

لقد طال سكوت المنظمات الحقوقية والإنسانية وكل العالم عن هذه الجريمة، ولم يرق تدخلها حدود الكلام والاستنكار، وطبعا «القَلَق»، وكما هو حال الأمين العام السابق الذي كان «قَلِقاً» دوما ودونما زيادة أو نقصان..

منذ ثلاث سنوات أطلقت حملة «أطفال لا جنود» من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ولم تتجاوز الحملة حدود الصفحات التي كتب عليها التقرير، وكان زاخرا بالمعلومات من خلال واقع امتهان الطفولة في مناطق عديدة من العالم، الكثير منها تسود فيه الصراعات المسلحة، بديلا عن الفكر والعقل وبعيدا عن الحوار كأسلوب حضاري متمدن، وبعد أن طمست تلكم الحضارة وأساليب الحوار المتمدن، واغتيل برصاص من فوهة بندقية..

ولكن هذا التقرير وغيره الكثير، قبله وبعده، لم يتعد رصد هذا الظاهرة «النكبة»، في أماكن حدوثها، ولم تفعل المنظمة شيئا ملموسا لتفعيل أي أدوات لمكافحتها والقضاء عليها، وهذا يعود لأسباب عديدة يطول الحديث فيها مرتبطة بالنظام العالمي الجديد، ورؤيته لخلق عالم مضطرب، من خلال نظريات ابتدعت منذ أكثر من عقدين من الزمان، ونشاهد تداعيات تطبيقاتها على واقع مأسوف عليه ومُدان اليوم.. واكتفت الأمم المتحدة بالشجب والإدانة، وطبعا «القلق» ولا غير..

في تقرير من إحدى وستين صفحة للأمين العام للأمم المتحدة في 20 أبريل 2016 بعنوان «الأطفال والنزاع المسلح»، تبين أنه مع توسع دائرة الحروب يسجل الضحايا من الأطفال أرقاما مفجعة في مناطق الصراع، وحين يودعون الطفولة ويرتدون الزي العسكري، وتتزايد معدلات تجنيد الأطفال بتصاعد حدة الصراعات، اليونيسيف تؤكد على أن كافة أطراف النزاع في دول الصراعات ليبيا، اليمن، العراق، سورية، يتم تجنيد الأطفال فيها، حيث تستخدم الإناث، سواء في الأعمال المنزلية أو كإماء «هذا الوصف حسب التقرير».. والذكور كحمالين، مستطلعين، طهاة، أو دروع بشرية لمرة واحدة، أو تحويلهم جنودا في حروبها، وتؤدي مشاركة الأطفال في المعارك إلى آثار مدمرة على صحتهم النفسية والجسدية، مما ينتج عنه صعوبات بالغة التعقيد في عملية إعادة دمجهم مجتمعيا.

في نهاية شهر أبريل من العام الماضي تم إنتاج فيديو من قبل شركة الباسيج الفني، وهي واحدة من الأذرع الإعلامية لميليشيا «الباسيج» الرديفة للجيش الإيراني، وعرض على التلفزيون الإيراني ليروج ويدعو الأطفال الإيرانيين إلى الانخراط في الميليشيات للمشاركة في القتال، ويظهر فيه أطفال يحملون السلاح وهم يرددون أغنية بعنوان «شهداء يدافعون عن الأضرحة المقدسة»، وأنهم مستعدون للتضحية بأرواحهم في العراق وسورية واليمن «وكما نادت أبواقهم مؤخرا قادمون إلى كل مكان»..

يرجع تاريخ استخدام إيران للأطفال إلى الحرب العراقية الإيرانية، حيث أرسل الآلاف منهم إلى جبهات القتال كمتطوعين في صفوف الحرس الثوري، ووقع المئات منهم في الأسر، وأفرج عنهم حينها من قبل السلطات العراقية، بعد إبلاغ المنظمات الدولية والإنسانية والصليب الأحمر بهذه الجريمة ليكون العالم شاهدا عليها..

في اليمن يفرض الحوثيون -وكلاء إيران- على بعض الأُسر إرسال شخص للتطوع في القتال قسرا، ولا يهم إن كان طفلاً، وجندوا كل أطفال مدارس وملاجئ الأيتام، وتكرر المشهد في بلاد أخرى على يد تلك الميليشيات الإرهابية الضالة..

إنه منهج وفكر وسلوك عليل، ومنهج فارغ بلا مضمون، وبات فقيرا من كل القيم والمعاني الإنسانية، ليقتصر طريقه على القتل والجريمة والترويع والإرهاب لتمهيد تمدده وسطوته من خلال القوة الغاشمة على شعب مسالم وأعزل.

إن عمر الظلم والمعاناة نتيجة الإرهاب، طويل يكاد يكون بلا نهاية، مهما قصرت مدته، من خلال آثاره الكارثية، النفسية والجسدية.. فليل الظلم والمعاناة طويل وبطيء جدا، المنظمة الأممية قد لا تتناسب قدراتها المادية لتغطية هذا الكم الهائل من المشاكل الإنسانية على مستوى العالم ومنها مشاكل الطفولة، ولكنها قادرة على أن تكون صوت الضمير الإنساني الحي وتقديم الجناة إلى المحاكم الدولية، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو حتى دول، وهي قادرة على ذلك، ولكن الكيل بمكيالين نتيجة الضغوط والابتزاز السياسي والمادي والتأثيرات الدولية تجعلها تغض الطرف كثيرا عما ترتكبه دول بعينها من جرائم بحق الإنسانية، وابتداء من ملف الأطفال.

لقد أدار العالم برمته ظهره ونأى بعيدا عن تلك الجرائم التي ترتكب بحق الطفولة، لتغتصب براءتها ويختزل عمرها الافتراضي، لجعلها وقودا لأحلام خيال مريض..

لقد رأينا في السنوات السابقة حنوّاً على الإرهاب من خلال عدم إدانته بشكل عام، وفي تعامله مع الطفولة من خلال تسخيرها تعاملا يفتقر إلى الإرادة في التعاطي مع هذا الأمر الجلل، والذي سيظل وصمة عار لن تمحى من على جبين العالم «دعاة الحرية والديمقراطية» أجمع وكل الذين سكتوا ونؤوا بأنفسهم بعيدا، وسيرى العالم تداعيات ذلك ومخاطره مستقبلا وعلى مدى عقود.

لا تزال الطفولة تمتهن وتنتهك حقوقها بشكل سافر أمام أنظار العالم، ولعلنا نتذكر حكاية الطفل اليمني مرتضى ذي الأعوام العشرة، والذي استخدمته ميليشيات الحوثي في زراعة الألغام، والذي نشر صورته موقع قناة العربية الشهر الماضي، وهو خير شاهد حي لمئات وآلاف سواه ممن فقدوا أرواحهم أو ما زالوا يعيشون أسرى ينتظرون مصيرا مجهولا.

مؤيد رشيد