كلمة الاقتصادية

اتبعت المملكة سياسة نفطية مرنة وعادلة منذ عقود، وباتت جزءا من استراتيجيتها النفطية على الساحة الدولية. وقادت في العامين الماضيين عمليا جهود خفض الإنتاج النفطي العالمي، بهدف إعادة أسعار النفط إلى مستويات مقبولة بالنسبة للمستهلكين والمنتجين. 

وفعَّلت تحركاتها في هذا المجال، في أعقاب محاولات بعض البلدان النفطية القفز على اتفاق خفض الإنتاج. 

كما عززت التعاون بين دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" والبلدان النفطية خارجها. هذه الجهود وغيرها جعلت السعودية مركز التوازن في العلاقات بين الدول النفطية كلها، ولا سيما تحركها النشط على صعيد سد الثغرات التي كانت موجودة في هذه العلاقات. والرياض، كانت تتحرك أيضا حتى قبل انهيار أسعار النفط، من أجل ترسيخ استقرار السوق النفطية. 

كل هذا دعم الحراك الذي حقق نتائج كبيرة أخيرا، بارتفاع أسعار النفط الخام. واليوم تدعو المملكة إلى وضع إطار عمل جديد بين البلدان النفطية داخل "أوبك" وخارجها، يمتد لما بعد العام الجاري، وتحديدا بعد انتهاء اتفاق خفض الإنتاج الحالي. 

وهي بذلك تتحرك مرة أخرى على أسس استراتيجية طويلة الأمد، تضمن استقرارا مطلوبا للسوق النفطية، وإمدادات متوازنة على المدى البعيد، خصوصا أن النفط يبقى محركا من محركات التنمية حول العالم، فضلا عن أهميته لبعض الاقتصادات التي تعتمد عليه كمصدر رئيس للدخل القومي. 

وما تدعو إليه السعودية، لا تتحدث عن بديل للاتفاق العالمي الحالي، بل إلى شكل جديد يضمن الاستدامة، خصوصا أن الاتفاق المشار إليه، دفع أسعار النفط في غضون عامين تقريبا من 30 إلى 70 دولارا للبرميل، وهو مستوى مقبول لجميع الأطراف المعنية. 

لا يمكن للسوق النفطية أن تحقق الأهداف المرجوة إلا بالتعاون، وإيقاف بعض الأطراف التي تحب العبث بالاتفاقات، لأسباب مختلفة! وقد حدث بالفعل في الفترة الأخيرة أن حاولت هذه الأطراف القفز على الاتفاق، خصوصا بعض البلدان النفطية خارج "أوبك"، إلا أن التصميم السعودي على نجاح الاتفاق والبناء عليه لاتفاقات أخرى جديدة توائم تطور الأوضاع في السوق العالمية، وفر ضمانات لهذه السوق. المطلوب الآن، استمرار التعاون (الصادق بالطبع) بين كل الأطراف. 

وعندما تطرح المملكة هذه المسألة فإن الأطراف المشار إليها تعرف تماما أن الرياض ماضية قدما في نقل خفض الإنتاج من مرحلة مؤقتة إلى مرحلة أكثر استدامة، مع الأخذ في الاعتبار كل المعطيات المطروحة على الأرض. 

وهذه الخطوة توفر أيضا إمدادات نفطية مستقرة يحتاج إليها الاقتصاد العالمي اليوم أكثر من أي يوم مضى. حققت العلاقات المنفتحة للسعودية مع البلدان المعنية أهدافا كبيرة، ووفرت أرضية مشتركة تعطي كل طرف حقه. 

ومن هنا كانت الرياض تعبر عن غضبها الشديد علنا، إذا ما تعرض أي اتفاق إلى أي اختراق. حدث هذا مع بعض الدول التي تراجعت عن سلوكياتها هذه. الآن الاتفاق الذي تدعو إليه المملكة هو بمنزلة "معاهدة" يحتاج إليها العالم اليوم، كما أنها ستجنب الساحة هزات نفطية سواء من جهة الإنتاج أو الأسعار. فكل اتفاق هو في الواقع ضمان جديد وعملي لمستوى الأسعار، وكل تعاون هو دعم جديد أيضا للاستراتيجية الهادفة لتوازن السوق النفطية العالمية. إنها سياسة سعودية تنسحب على كل المجالات، وهي سياسة أثبتت نجاعتها في غير موقع.