صلاح خاشقجي

في ظل ارتفاع وتيرة المتغيرات التي يتعرض لها الاقتصاد، على الصعيدين المحلى والتقني، تبرز أهمية استجابة القطاع المصرفي لهذه المتغيرات. 

فنموذج العمل التقليدي لن يلبي الطموحات التي تسعى الحكومة لتحقيقها من تعزيز موقع القطاع الخاص وتحفيز العملية التجارية بما يحرك عجلة التوظيف وكذلك زيادة نسبة تملك المواطنين منازلهم، إضافة إلى تحديث وتطوير البنية التحتية لرفع مستوى إنتاجيتها وسعتها وكفاءتها. 

كل هذه الأهداف ترتبط بشكل وثيق بتوافر الائتمان بتكاليف معقولة، وهو ما يعمل القطاع المصرفي السعودي على تحقيقه. ولكن للتكلفة معايير إضافية يجب أخذها في الحسبان قد لا تكون مباشرة، مثل عدم توافر الائتمان لقطاعات واسعة من الاقتصاد بسبب المخاطر أو عدم مواءمة تصميم منتجات الائتمان لاحتياجات المقترض.

عندما تم الإعلان عن خطة الاندماج بين بنك ساب والبنك الأول، طالعتنا آراء تنتقد هذا الاندماج لأنه سيخفض من عدد المصارف العاملة في السعودية، وهو محدود جدا في الأساس. 

وجهة النظر هذه أغفلت أن الاندماجات بين الكيانات المصرفية عادة ما تركز على رفع الكفاءة التشغيلية وكذلك يتيح المركز المالي الأكبر سعة إقراضية أكبر. 

أتفق مع الآراء التي ترى ضرورة دخول مزيد من المصارف إلى القطاع المصرفي، ولكني في الوقت نفسه أؤيد خطة الاندماج. فالكيان الناتج عن الاندماج سيوجد مصرفا كبيرا قادرا على منافسة المصارف الكبيرة الشاملة، وهي الفئة التي تنتمي إليها معظم المصارف العاملة في القطاع المصرفي السعودي. 

أما ما يحتاج إليه القطاع المصرفي السعودي فهو نوعية جديدة من المصارف الصغيرة المتخصصة، لا المزيد من المصارف الشاملة، ولا حتى تفكيك هذه المصارف لمجرد زيادة العدد، نظرا لأن المصارف ستفقد اقتصادات الحجم في أي عملية تحجيم بهدف زيادة المنافسة. الكيانات المصرفية التي ينبغي أن تدخل إلى السوق يجب أن تكون صغيرة حتى تكون قريبة جدا من عملائها، وكذلك ينبغي أن تكون متخصصة حتى تتمكن من الإقدام على أخذ مخاطر أعلى. 

تندرج تحت هذه الفئة المصارف الاستثمارية التي ستعمل على تمويل صناعة رأس المال الجريء، ولكن إلى جانبها نحتاج إلى أن نرى مصارف تقليدية تقدم منتجات تمويلية مبتكرة. فعلى سبيل المثال: تنحصر المنتجات التمويلية التي تقدمها المصارف حاليا للأفراد في القطاع العقاري في صيغتي الإجارة والمرابحة معتمدة في الأساس على راتب العميل فقط مع تبني دفعات شهرية متساوية للسداد. 

يمكن لمصرف محلي متخصص في الرهن العقاري أن يقدم حلولا تمويلية مختلفة التسعير وذات مرونة أعلى في طريقة ودفعات السداد نظرا لقدرته على تبني وجهة نظر للسوق العقارية. فهذا المصرف العقاري الصغير لا يخشى من تعثر العميل أو توقفه عن السداد نظرا لقدرته العالية على تسويق العقارات المرهونة. 

يمكن كذلك أن يتخصص مصرف في تمويل تركيب الألواح الشمسية مع دعم حكومي، ويعمل آخر على استحداث وسائل دفع تخدم التجارة الإلكترونية. المصارف الصغيرة المتخصصة هي التي ستدعم الابتكار في المنتجات واعتماد أحدث التقنيات، بل حتى اعتماد نماذج تجارية جديدة لإيجاد ميزة نسبية لها عندما يقارنها العميل بالمصارف الكبيرة الشاملة. 

هذه المصارف الصغيرة ستعمل جنبا إلى جنب مع المصارف الشاملة، بحيث تقترض منها احتياجاتها "جملة" بينما تقرض عملاءها "تجزئة". لا يعني ذلك أن المصارف الشاملة ستبتعد عن خدمة الجماهير، بل العكس، فشبكة فروعها هي العامل الأهم في عملية تجميع السيولة من العملاء، ولكن سيتطور دورها بالتركيز على هدفها الرئيس كوسيط يأخذ السيولة الفائضة إلى من يحتاج إليها بأقل مستوى للمخاطر.