محمد الطميحي

منذ تأسيسه عام واحد وثمانين مر مجلس التعاون الخليجي بالعديد من التحديات الداخلية والخارجية، التي استطاع المجلس تجاوزها وخرج منها أكثر تمساكاً من ذي قبل.

من مفاوضات طويلة وصعبة لترسيم الحدود المشتركة، إلى احتلال الكويت عام تسعين، مروراً بالتدخلات الإيرانية الواضحة في الشؤون الداخلية للدول الست، التي اتخذت صورة أكثر عنفاً من خلال دعم انقلاب ميليشيا الحوثي في اليمن على الحدود الجنوبية للمجلس.

ورغم صعوبة تلك التحديات إلا أنّ الخلاف مع قطر يمثل للأسف النهاية الحقيقية للتعاون المشترك بين دول مجلس التعاون على الأقل بصورته الحالية، فهذا التعاون لم يعد ممكناً في ظل وجود دولة لم تكتفِ برعاية الإرهاب والوقوف ضد سياسات دعم الاستقرار المضنية التي دعمتها دول الخليج الأخرى في الدول الشقيقة التي عانت من تداعيات ما يسمى بالربيع العربي، بل عملت على إحداث فوضى مماثلة في دول المجلس نفسه.

والآن وبعد أكثر من سبعة أشهر على مقاطعة الدوحة، لا تبدو الأزمة قابلة للحل مع إصرار الحكومة القطرية على التصعيد المتعمّد تجاه جيرانها الخليجيين، وممارسة ألاعيب غير (شريفة) حتى من الأعداء، وما التهديد غير المسبوق لسلامة طائرتي الركاب الإماراتيتين مؤخراً إلا مؤشر خطير بأن الأمور تتجه إلى المرحلة التي لا يمكن من خلالها العودة إلى تلك العلاقة التي كانت عليها قبل الخامس من حزيران يونيو الماضي.

العلاقات الثنائية الوثيقة لا تبنى على الراوبط الأسرية والتاريخية فقط بل هناك العديد من العوامل التي تجعل من أي تحالف قابل للاستمرار والتفعيل، فماذا أبقت قطر لحلفائها من أجل العدول عن قرار المقاطعة؟

لدي يقين كامل أن الدوحة خاصة بعد انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده عام 95 ليست حريصة تماماً على بقاء مجلس التعاون، وهو الأمر الذي سيطر على القيادة الحالية على الرغم من الرحيل الصوري للأمير الأب لما له ولشركائه السابقين في الحكم من نفوذ لا يمكن الخروج منه إلا بوجود أمير جديد للبلاد لا يخضع لهذا النفوذ.

وحتى يتحقق ذلك فإن التمسك بهذا المجلس لا يبدو خياراً آمناً مع وجود شريك لا يؤمن بهذا الكيان ويسعى لعرقلة كل أهدافه في السر والعلن، لذا فإنه من المشروع البحث عن تكتل جديد إذا تعذر تعليق عضوية قطر أو طردها الكامل من المجلس في ظل تمسك الكويت وعُمان بالحياد الذي يبدو غير منطقي في ظل انكشاف المؤامرات القطرية ضد جميع جيرانها دون استثناء.

لعل من محاسن الأزمة.. هذا التحالف الوثيق بين السعودية والإمارات اللتين تمثلان العمود الفقري لما تبقى من عمل خليجي مشترك، فما يحدث من تقارب سياسي، وتطابق في المواقف الخارجية، بالإضافة إلى مستوى التنسيق المتقدم بين البلدين يجعل منهما النواة الحقيقة لقيام الاتحاد الذي دعا إليه الملك عبدالله - رحمه الله - قبل سنوات، وفي اعتقادي الشخصي أن نجاح هذا التوجه سيرسم ملامح الخليج الجديد الذي سيكون بتضحية أبنائه الشرفاء التي اختلطت دماؤهم الطاهرة على تراب اليمن عصياً أمام التدخلات الإيرانية، وما يتم الإعداد له مستقبلاً من مؤامرات قطرية.