سمير عطا الله 

تحدث هذه الأشياء مع جميع الناس، لكن الفارق أن الكتّاب يكتبونها، وهي أشياء عابرة وعادية، لكنها عندما تُكتب تتحول إلى أشياء مسلية. وقد احترت كثيراً في نقل «حدث» ذلك المساء، فهل يا ترى أنجح في تحويله إلى موضوع يستحق أن ينقل؟

اعتدت في بيروت، الذهاب مع زوجتي إلى مطعم - مقهى - بعيد عن الرسميات إلى جانبه مكتبة نمر بها، نتفقد جديدها، ثم نمضي شيئاً من أوائل المساء في الهواء الطلق الذي يوفره طقس بيروت في معظم الأيام. وجرت العادة على ألا نُزعج أحداً في هذا المكان الفسيح وألا يزعجنا أحد. اتفاق متبادل مقروء، غير مكتوب.
السعادة لا تدوم. ذلك المساء جلس أمامنا رجل ضخم ومعه أكبر كومبيوتر (لاب توب) محمول صنعه بيل غيتس، وجعل منه أغنى رجل في العالم. 
كان الرجل مؤدباً، فوضع سماعات ويندوز في أذنيه لكي لا يفرض على أحد سماع ما يسمع.
لكن ماذا نعمل بالشاشة؟ كيفما تلفت فسوف تلمح ما يدور عليها، منذ أن «فلشها» صاحبها حفلات مصارعة من النوع الذي لا أتحمله، ومن المصارعة أفظعها، أي المصارعة الحرة. ومن المصارعة الحرة أبشعها، أي بين النساء المسترجلات. ولا يتوقف التعذيب عند هذا الحد، بل إن بطلة هذه المباراة الطويلة تشبه إلى حد التوأمة فنانة لبنانية عرفت بالإباحية الثقيلة، قولاً وشكلاً وكليبات.
شعرنا بحالة من الحصار. صحيح أن الصوت كان مكتوماً فلا نسمع الهتاف آتياً من الحلبة، ولكن الشاشة أخذت ترسل لمعاناً يلفتنا رغماً عنا، إلى ما يدور بين الدببة المنفلتات. وقررت أن أنتقل إلى مكان آخر، لكن رحم الله طارق بن زياد، فالمكان مليء، والبحر من أمامكم.
فكرنا في العودة إلى البيت، لكننا كنا قد طلبنا العشاء قبل أن «يفلش» هذا شاشته. والآن أضيف إلى المشهد مشهد آخر: حضرته وقد انفعل بالربح والخسارة. ولم نكن في حاجة إلى معرفة الذوق الذي يتمتع به، فهو واضح. لكنه أصر على أن يؤكد عليه عندما راح يتمايل تأييداً للمصارعة التي تشبه ثقيلتنا. وكاد يهتف أو يصفق.
بقي الحل الأخير: أن نترك المكان، ونترك العشاء، ونعود إلى البيت. فقد بدا أن المباراة، مثل جميع النوازل لن تنتهي. وأن فجور المصارِعة الحرة مثل فجور توأمتها «الفنانة» الحرة، لن ينتهي هو أيضاً. لكن عندما طلبنا الحساب قبل أن نشرع في العشاء، تضايق صديقنا النادل، وسأل هل من مشكلة في الحساء؟ قلت له معتذراً: المشكلة في تطبيقات «ويندوز». لا نريد المشاركة.