سعيد الغزّ 

فلسطين التي تحولت إلى قضية سنة 1947 نتيجة لمؤامرة دولية شارك فيها على السواء، تحالف الدول الغربية والاتحاد السوفياتي خدمة للحركة الصهيونية العنصرية. وتمّت شرعنتها دولياً في منظمة الأمم المتحدة بالموافقة على تقسيم فلسطين وإقامة دولة إسرائيل التي احتلت أرضاً فلسطينية، وشرّدت شعباً فلسطينياً لتُحلّ مكانه شعباً غريباً جمّعته من مختلف الدول الأوروبية، وعلى الأخص من دول شرقي أوروبا والاتحاد السوفياتي.

آنذاك كان العرب موزّعين بين دول ضعيفة حديثة الاستقلال والتكوين محدودة الإمكانات والقدرات، ومناطق خاضعة للاحتلال والاستعمار تكافح من أجل التحرر والاستقلال. وفي عام 1948، حصلت الحرب العربية– الإسرائيلية غير المتكافئة في الدعم الخارجي، وانتهت إلى ما سمّي عربياً «النكبة الفلسطينية» وتحولت أكثرية الشعب الفلسطيني إلى لاجئين في دول الجوار العربية بانتظار العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.

وفي ما بعد، سقطت أنظمة عربية وقامت أنظمة بديلة رفعت كلها شعار فلسطين قضية مركزية، «سنعمل لإعادتها عربية ونطرد الإسرائيلي المحتل منها، سنحررها من النهر إلى البحر». وبدلاً من ذلك، انصرفت هذه الأنظمة إلى ممارسة القمع على شعوبها بحجة الشعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة: معركة تحرير فلسطين وإعادة اللاجئين إليها». وبدلاً من تحقيق وحدة في المواقف، وإقامة شكل من أشكال الوحدة أو الاتحاد لإكساب الحقوق العربية، وفي مقدمها الحقوق الفلسطينية، القوة والمناعة والقدرة على فرض الحلول، وإقناع دول العالم بأن المطالب الفلسطينية والعربية محقة، يجب العمل على تحقيقها، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. بدلاً من ذلك، ازدادت التناقضات والانقسامات بين الدول العربية، وقامت محاور وعداوات، وأحياناً مؤامرات على بعضها بعضاً.

وفيما كان المسؤولون العرب على هذه الحال على رغم محاولات الرئيس جمال عبد الناصر التوحيدية، ودعوات كمال جنبلاط المتكررة للعرب للوحدة والعمل الجدي لمناصرة الحق الفلسطيني، كانت إسرائيل تبني قدراتها العسكرية والاقتصادية، وتنسج شبكة علاقات دولية منحازة إلى جانبها، وتؤمّن لها الدعم والحماية في مواجهة المطالب المحقة للفلسطينيين والعرب. وهذا ما أتاح لإسرائيل اعتماد سياسة استقدام يهود جدد، والتوسُّع في بناء مستوطنات لهم على حساب من تبقّى من فلسطيــنيين فـــي فلسطين.

وعندما وقعت الحرب العربية– الإسرائيلية، الثانية سنة 1967، فشل العرب واحتلت إسرائيل أراضيَ فلسطينية وعربية جديدة بما في ذلك القدس العاصمة، وللتخفيف اللفظي أطلق المسؤولون العرب على الهزيمة الكبرى اسم «النكسة».

هذه «النكسة» حطّمت آمال الفلسطينيين بالعرب وقدرتهم على المساعدة واستعادة الحق الفلسطيني الضائع. فقرروا الاعتماد على أنفسهم، على رغم الفارق الكبير في الإمكانات والقدرات مع المغتصب الإسرائيلي: كفاح مسلح، انتفاضات، مساع دولية للحلول باءت كلها بالفشل على أرض الواقع. وزادت إسرائيل بدعم دائم من الولايات المتحدة من تعسّفها، والسعي للتحوُّل إلى دولة قومية لليهود، سواء عاشوا فيها أو وُجدوا في أية دولة من دول العالم، فولاؤهم الأول هو لدولتهم اليهودية على أرض فلسطين بحجة أنها «أرض الميعاد».

وتواصَلَ التراجع العربي ومعه التخاذل الإسلامي وآلت الأمور إلى حروب داخلية وميليشيوية في العديد من الدول العربية، تداخل فيها الدولي والإقليمي والطائفي والمذهبي والعرقي، فوجدت إسرائيل ومعها الإدارة الأميركية أن الفرصة باتت ملائمة، في عام 2017– 2018، للقيام بالخطوة الختامية: إسرائيل دولة يهودية عاصمتها القدس، ومن حقها أن تستولي على مختلف المناطق والممتلكات في أنحاء فلسطين وترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتدعو إلى توطينهم حيث يوجدون.

إنها حقائق مرّة، مهما حاولنا التخفيف من وقعها، ورفعنا الصوت في الحديث عن مواجهتها. المطلوب عمل، عمل، عمل، ووقف الكلام غير المجدي، فماذا العرب والمسلمون فاعلون؟