نذير رضا

 خرج «حزب الله» اللبناني لأول مرة بشكل علني عن حياديته في الخلافات بين حليفيه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لصالح الأول، فيما بدا أنه عجزٌ عن ضبط قواعد الاشتباك بين الطرفين، وهي التي واظب الحزب على إدارتها في السابق، وذلك إثر تفاقم الخلافات التي عقّدت مهامه في إدارة الأزمات بين حليفيه.

وفي حين بدا انحياز الحزب العلني تهديداً للتفاهم مع «الوطني الحر» الذي تعرض لهزات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية على وقع تباينات بين الطرفين في ملفات كثيرة، قال القيادي فيه ماريو عون لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحالف مع الحزب استراتيجي وصلب»، مضيفاً: «أما المواقف الأخيرة فتستوجب بعض الإيضاحات في الوقت المناسب». وقال عون: «موقف الحزب لم يكن موجهاً ضد التيار، بل مؤيداً لشريكه الثاني (الشيعي)، وبالتالي لم يكن هناك أي تجنٍ على التيار، وهو ما لن يؤثر على التفاهم الاستراتيجي بينهما».

وقال عون: «لطالما كانت هناك تراكمات ومواقف سياسية وملفات يتم التباين فيها، وكانت هناك محطات متعددة لم يتوافق فيها الحزب مع (التيار الوطني الحر)، لكن هذه التباينات لا توصل إلى تهديد التحالف، ولم تأخذنا للعودة إلى الوراء على صعيد التفاهم الاستراتيجي».

ولم يخفِ «حزب الله» انحيازه لبري في الخلاف الأخير الذي اندلع على خلفية بث مقطع فيديو يصف فيه باسيل رئيس البرلمان بـ«البلطجي»، استناداً إلى «قناعة لدى الحزب بأن هناك إساءة لبري لا يمكن القبول بها»، بحسب ما قالت مصادر مطلعة على موقف الحزب لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن حلفاء الحزب في التيار الوطني الحر «يعرفون أن ما بين الحزب و(أمل)، هو تحالف وجودي، وهما جسدان بروح واحدة، وما يسيء للحركة لن يُقبل به ولا مجال للسكوت عنه»، فضلاً عن أن الكيمياء المفقودة بين عون وبري منذ سنوات راكمت الخلافات التي تفاقمت إثر إحجام بري عن انتخاب عون رئيساً للجمهورية، والخلافات حول تشكيل الحكومة، وكان «حزب الله» يتدخل دائماً لبلورة اتفاقات حول الخلافات.

لكن الوضع تغير أخيراً، و«يعترف الحزب بأن الخلاف عميق بين بري وباسيل، وكان من الصعب إيجاد حلول للخلافات بعد (مرسوم الأقدمية) قبل أن تتفاقم إثر تصريح باسيل»، كما قالت المصادر، مشيرة إلى أن الطرفين «هما حليفا الحزب الذي يرغب في حل الخلاف، لكن في الوقائع السياسية، فإن القضية أكثر تعقيداً». وقالت المصادر: «كل التباينات بين الحزب و(الوطني الحر)، ومن ضمنها العلاقات مع (حركة أمل)، كانت تعالج بالحوار والحكمة».

ورغم أن البعض يرجع التصعيد الآن إلى «اعتبارات انتخابية تجعل شد العصب الانتخابي أولوية لدى كل الأطراف، ومن بينها باسيل»، فإنه للمرة الأولى، ينحاز «حزب الله» لطرف دون الآخر، بعد فشل وساطته في التوصل إلى تسوية على صعيد «مرسوم الأقدمية»، حيث أصدر بياناً أول من أمس رفض فيه «التعرض بالإساءة» لبري.

ويؤشر الانحياز لبري ضد باسيل، إلى تجاذب مستجدّ بين الحليفين اللذين وقعا ورقة تفاهم في عام 2006، ويكشف التجاذب بوضوح أن العلاقة بين الحزب ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي يمتلك الحزب «ثقة مطلقة بخياراته الاستراتيجية»، مختلفة إلى حد كبير عن العلاقة المتردية مع باسيل الذي تعرضت العلاقة معه لاهتزازات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. ولا يزال الطرفان يؤكدان على أن التجاذبات «لن تؤثر على ورقة التفاهم» وأن «باسيل متمسك بالتفاهم مع الحزب أكثر من أي وقت مضى».

وبدأت الخلافات بين الحزب وباسيل، بعد اعتبار وزير الخارجية أن الصراع مع إسرائيل ليس آيديولوجياً، وهو ما دفع الأمين العام للحزب حسن نصر الله للإعراب عن اعتقاده بأن «إثارة الموضوع في التوقيت والطريقة لم تكن مناسبة، بمعزل عمّا هو يفكّر فيه على المستوى العقائدي أو الآيديولوجي أو السياسي»، مما فتح باباً للتكهن بامتعاض الحزب من التصريح. ثم تراكم الملف على ملفات أخرى، بينها رد التيار الوطني الحر على نصر الله حين دعا لمقاطعة عرض فيلم «ذا بوست» السينمائي في بيروت.

وتشير تلك التراكمات إلى أن العلاقة بين الطرفين تشوبها خلافات كثيرة، وباتت تهدد التحالف بين «التيار» و«حزب الله» الذي قدّم التحالف مع بري انتخابياً على أي حليف آخر، ومن شأنها أن تعيد خلط أوراق التحالفات الانتخابية في أكثر من موقع، أبرزها في الشمال حيث يعد النائب سليمان فرنجية حليفاً أساسياً لـ«حزب الله» كما لـ«حركة أمل»، وفي جزين حيث تخوض «أمل» مواجهة انتخابية في وجه «الوطني الحر»، فضلاً عن التنافس على المقاعد الشيعية في زحلة والبقاع الغربي وجبيل، وهي مقاعد من حصة الحليفين «تيار المستقبل» و«الوطني الحر» في هذا الوقت.

وينظر البعض إلى أن الخلافات المحتدمة تعود إلى صراعات انتخابية. وعدّ الوزير السابق ألان حكيم في حديث لـ«المركزية» أن «الاشتباك السياسي الجاري اليوم، طائفي ويخدم الطرفين (أي حركة أمل والتيار الوطني الحر)، خصوصا أنه يأتي معطوفاً على شد عصب الناخبين في فترة ما قبل الاستحقاق».