نادية الشهراني

«السعودية بلد صحراوي، ودرجات الحرارة فيها قاسية جدا شتاءً وصيفًا بالذات المنطقة الوسطى والرياض تحديدا، لم أكن لأقبل عرض عمل في الرياض مهما بلغت المغريات... تستهلك المشاوير ساعتين في يومك على الأقل. أيضا لا توجد وسائل نقل غير السيارة في الرياض، وأقرب مشوار يستهلك 20 دقيقة بالسيارة التي لا يمكن للنساء قيادتها حتى الآن، كذلك ارتفعت الآن أسعار سيارات الأجرة بسبب ارتفاع أسعار البنزين، مع 
إقرار نظام الضريبة (القيمة المُضافة)... ولا أدري كيف سنقود السيارة في الرياض أو في السعودية؟! ليس لدينا أي ثقافة انضباط، والطريق طويل جدا حتى نصل لفكرة الانضباط...» 


اضطررت للاستماع مع أبنائي للحديث أعلاه من شابة سعودية سألتها سيدة آسيوية متجهة على ما يبدو للالتحاق بوظيفة في الخليج عن الأحوال في المملكة.. تبدو الشابة العشرينية متعلمة وتتحدث الإنجليزية بطلاقة، فهي إذن إما مبتعثة أو ابنة لمبتعث أو مبتعثة أو ابنة لموفد، أي أن وجودها في المملكة المتحدة هو غالبا بفضل الله، ثم هذا البلد الذي لم تجد فيه حسنة وحيدة لتذكرها للسيدة الأجنبية التي ستطأ أقدامها بلادنا للمرة الأولى.. لم تكن هذه الفتاة تهمس في أذن جارتها بل كانت تتحدث بصوت جهوري يسمعه كل من اضطرته ظروفه للوقوف في طابور الصعود للطائرة المتجهة إلى الرياض، ولم تتوقف حتى عندما نظرتُ لعينيها مباشرة بل استمرت في الحديث وكأنها في مسابقة مع الوقت لتمرير هذه المعلومات بأسرع وقت ممكن.. تذكرت حديث هذه الشابة وأنا أطالع مقطعا تتحدث فيه شابة أخرى عن تفضيل السعوديات -كما قالت- العمل خارج الوطن بعد انتهائهن من الدراسة في برامج الابتعاث لعدة أسباب، ذكرتها الأخت ودافعت عنها، ومع احترامي لأي مبرر تذكره ويناسبها فأنا أذكّرها بأن وجودها أصلا في بلد الابتعاث منّة من هذا الوطن عليها، وأن العديد يتمنى هذه الفرصة التي أتيحت لها ولا يمكنه الحصول عليها. 
الوطن كما يقال ليس فندقًا تتركه إذا ساءت الخدمة، وليس حمولةً زائدة يتخلص منها الإنسان إذا تحسنت أحواله، والوطنية ليست شعارات نطلقها أو أياما نحييها أو أعلاما نتمايل به، بل هي الحياة هنا مهما كلف الأمر والعبور معا لمستقبل أفضل، تحكمه رؤية خلاقة وآمال عريضة. لسنا كاملين، ولدينا مثل أي بلد في العالم كله تحديات يمكن تجاوزها، لكن لكي نكون منصفين يجب أن نتساءل... ماذا قدمنا للوطن حتى الآن، وما الذي ننوي تقديمه 
إذا طال بنا وبك العمر من باب رد الجميل؟ قبل أن نتساءل ماذا قدم لنا الوطن؟ وقبل أن نملأ الفراغ بسؤال «هل نعود أم نرتمي للأبد في أحضان الغربة؟».