علي القرني

 

هناك فرق جوهري بين مفاوضات السلام التي تدعو لها روسيا وبين تلك المؤتمرات التي تدعو لها الولايات المتحدة، فبينما تعمل روسيا إلى جمع أكبر قدر ممكن من الدول والمنظمات والشخصيات، كما هي الحالة في مؤتمر السلام للأطراف السورية في سوتشي، نجد أن الولايات المتحدة تسعى دائماً إلى استبعاد أكبر قدر ممكن من الأطراف ذات العلاقة كما هي الحال خلال السنوات الماضية في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي ترعاها الولايات المتحدة.

ونستغرب من هذه الفروقات في التوجهات بين الدولتين، حيث الأولى تسعى دائماً إلى فتح المجال أمام الأطراف المختلفة، بينما الثانية (الولايات المتحدة) تحرص دائماً على الأطراف المباشرة في النزاع. وكلا الدولتين تتبع سياسية خاصة بها، ترى أن منهجية المفاوضات في طريقتها هي الأجدى والأكثر فعالية، بينما للأسف أي من المشكلتين لم تتحرك نحو مفهوم سلام حقيقي.

ودائماً النزاع الفلسطيني هو بين طرفين وتحت مظلة ورعاية أمريكية. والشرق الأوسط يحتضن حالياً أطول مشكلات العالم زمنياً حيث لها نحو سبعين عاماً، وهي القضية الفلسطينية، حيث هناك فلسطينيون ولدوا وعاشوا وماتوا وهم في أحضان مثل هذه القضية العالمية. ولم تستطع الولايات المتحدة وهي الراعي الرسمي للقضية الفلسطينية أن تزحزح القضية إلى الأمام. كما يضم الشرق الأوسط قضية سوريا التي مرت عليها عدة أعوام وهي الأكثر دموية حيث مات من الشعب السوري أكثر من نصف مليون مواطن جراء التعنت النظامي في فرض نفسه على الشعب السوري بالقوة والسلاح.

وربما من المفيد أن نبحث في فلسفة العقل الأمريكي والروسي في مفهوم المفاوضات ومؤتمرات السلام، فهذا من شأنه أن يجعلنا نفهم أكثر الأسلوب والطريقة والعقلية للدولتين الأعظم في العالم. وفي البداية يجب أن نفهم أن أي من الدولتين لا تسعى إلى الدخول في مشكلة أو أزمة إلا بحكم مصالح إستراتيجية تفرض وجودها وتدخلها المباشر، وإذا نظرنا إلى القضيتين الفلسطينية والسورية، سنجد أن الولايات المتحدة تريد أن تكون ليس راعياً لمفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ولكن تريد أن تكون حامية لربيبتها إسرائيل، وخير مثال على ذلك تدخل الرئيس الأمريكي ترامب في القضية مباشرة واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأضاف مؤخراً تصريحاً أكثر خطورة من الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وهو أن القدس يجب أن تخرج من طاولة مفاوضات السلام لأن أمر القدس قد تم حسمه بقرار أمريكي، هكذا هو يريد أن يقول.

وفي المقابل، فإن روسيا ممثلة في الرئيس بوتين لها مصالح إستراتيجية مع النظام السوري، ولهذا فدخولها مباشرة ورعايتها لمفاوضات بين الأطراف السورية هو حماية لمصالحها، التي تجسّدت في إنشاء أكثر من قاعدة عسكرية بحماية دبلوماسية، ولهذا فهي حريصة تماماً على أن ترعى أي مفاوضات بخصوص سوريا حتى تتأكد تماماً من بقاء النظام السوري ممثلاً في بشار الأسد وهو الضامن الوحيد للمصالح الروسية في سوريا.

ومن هنا فكلا الدولتين ترعيان مؤتمرات سلام لربيباتها سواء إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة أو النظام السوري كما هي الحالة لروسيا لضمان مصالحها الإستراتيجية على طاولة المفاوضات. وفي نظري أن فلسفة الاستبعاد لكل الأطراف من مفاوضات السلام بالنسبة للراعي الأمريكي يأتي بسبب أن مواقف كل الأطراف الأخرى الأوروبية وغيرها تعطي تعاطفاً للموقف الفلسطيني، وهنا يمكن أن نسمي مفاوضات السلام الأمريكية بفلسفة التوحد بالقضية، بينما في المقابل تسعى روسيا إلى سياسة أخرى متناقضة مع سياسة أمريكا وهي سياسة التشتيت، فروسيا تريد تشتيت القضية السورية وتجزئتها من خلال دعوة أطراف كثيرة كإيران وتركيا وغيرهما من الدول في المنطقة إلى مؤتمراتها التي تزعم أنها لإحلال السلام في سوريا، كما من مبدأ التشتيت تم توزيع المفاوضات عبر لجان تصل بعضها إلى مئات الأعضاء. وكلا الدولتين تعرف ماذا تريد من مفاوضات السلام، فهي مصالحها الإستراتيجية وليس غير ذلك.