سمير السعداوي 

تفصل حقل «تامار» الغازي عن «البلوك 9» قبالة الساحل اللبناني، بضعة كيلومترات، ربما لا يتجاوز عددها أصابع اليد، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يدرك على الأرجح، أنه سيكون أسهل عليه قطع تلك المسافة تحت الماء منها فوق الأرض.

لا يعرف أحد هل هي العناية الإلهية أم أنه غباء من طرف الوزير أن يختار ذلك التوقيت ليسوق تهديداته باجتياح لبنان وإجبار اللبنانيين على الاحتماء بالملاجئ؟ إذ شكل ذلك مبرراً للأطراف المنهمكة في خصومة «مستجدة» أو «متجددة»، للجلوس وراء طاولة واحدة وتبادل خطابات تأكيد العيش المشترك والوحدة الوطنية، في مشهد لا يخلو من رمزية فولكلورية.

لكن ما تخفيه خطابات الإشادة المتبادلة التي تذكّر بموائد الراحل الكبير «زغلول الدامور» الذي ودعنا الأسبوع الماضي، أعمق وأخطر ويستحق تضامناً وطنياً حقاً، ويستدعي المسارعة إلى تطويق الأزمات ونزع فتيل كل منها، غير أن المطلوب في نهاية الأمر هو إزالة أسباب التشنج بالتوصل إلى تفاهمات حول سقف الخطاب السياسي المسموح به خلال الانتخابات لتفادي تحولها مناسبة للتفرقة والانقسام بدل أن تكون استحقاقاً تنافسياً ديموقراطياً.

والحديث هنا عن «شد العصب» ويترافق أيضاً مع التركيز على التباينات، وهو الأمر الذي أراد الوزير جبران باسيل التعبير عنه بطريقته، عمداً أو سهواً، لكنه بلا شك يعبّر عن وجهة نظر ليس في ما يتعلق بالكلام المنسوب إليه في وصف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهو كلام لا يقدم ولا يؤخر، ولا ينتقص في شيء من سيرة رئيس المجلس، إلا بقدر انجراره إلى هذا النوع من المناوشات وهو أذكى وأدهى من ذلك.

لكن ماذا لو كان لدى وزير الخارجية رأي آخر يطاول هذه المرة التفاهم مع «حزب الله» إذا صح ولو جزء مما نُقل عنه وسارعت أوساطه إلى نفيه، حول اختلاف مع الحزب في شأن «قرارات يتخذها لا تخدم الدولة وتكبد البلد ثمناً»، وإشارته إلى أن «بند بناء الدولة في وثيقة التفاهم لا يطبَّق بحجة قضايا السياسة الخارجية».

ومن المفهوم أن يكون هناك رأي بهذا المعنى، سواء عبر عنه الوزير بما يمثله، أو شركاء آخرون في الوطن، خصوصاً في مرحلة تتكثف الضغوط والعقوبات الأميركية على الحزب وتكثر الأحاديث عن تصاعد دور طهران ودمشق في تسليحه، وتتزايد التهديدات بمعاقبة البلد كلاً، بما تنم عنه من خبث وانتهازية.

حسناً فعل الأفرقاء بإصرارهم على وحدة الموقف إزاء التهديدات الخارجية، غير أنهم في نهاية الأمر يدركون أن تحصين البلد داخلياً لا بد وأن يمر بتوصل الرئاسات الثلاث إلى إطار تفاهم على حل ملفات موضع تباينات لا تزال تراوح مكانها.

وتتفق الفاعليات اللبنانية على أن البلاد، المقبلة على انتخابات في أيار (مايو) المقبل، قد تدخل في جمود على صعيد التصدي للمشكلات الاقتصادية الملحة، وأهمها إقرار موازنة 2018 التي يشترط المجتمع الدولي خفض العجز فيها من بين شروط أخرى، من أجل مساعدة لبنان على الصعيد الاقتصادي.

وإذا أخذ حساب التهديدات الخارجية مع حساب التحديات الداخلية، تصبح النتيجة التراكمية، كثيراً من الهموم التي تثقل كاهل البلاد. ويبقى عامل التفاهم الداخلي هو الأهم، إذا أخذنا في الاعتبار نظرية أن ثمة إجماعاً غربياً، لئلا نقول «قراراً» بتفادي تفجير البلد في هذه المرحلة، نظراً إلى حساسية ظروفه وانطوائه على معطيات عدة مقلقة، ليس أقلها قضية اللاجئين السوريين.