عمار يوسف 

تمثل العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تقوم على أسس تاريخية صلبة تعززها روابط الدم والمصير المشترك، وتحكمها وحدة الرؤى والمصالح، ركناً أساسياً من أركان الأمن الجماعي الخليجي والعربي، وصمام أمان للمصالح الحيوية للأمة العربية التي تراهن على هذا التحالف الثنائي في تحقيق تطلعاتها في الأمن والتنمية والاستقرار. وقد أثبت هذا التحالف قدرته على المضي قدماً في عمليات سياسية وعسكرية وأمنية مشتركة لإعادة التوازن والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية التي تشهد الكثير من الاضطرابات بسبب تدخلات وأطماع إقليمية ودولية مختلفة. ولعل أبلغ تعبير لوصف العلاقات الإماراتية السعودية هو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما قال: «إن دولة الإمارات العربية المتحدة آمنت دائماً بأن السعودية هي عمود الخيمة الخليجية والعربية، وإن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار الإمارات».

وتتمتع السعودية والإمارات بشرعية سياسية ضاربة الأطناب في التاريخ، تدعمها شرعية إنجازات واستقرار وأمان، وتضيفان عليهما قوة اقتصادية كبيرة وميزانيات تاريخية وتحالفات وعلاقات دولية واسعة، كما تتمتع القيادتان في البلدين بشعبية عارمة في الداخل، ورصيد محبة وامتنان لدى غالب الشعوب العربية. كما يمثل كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نموذجاً للقيادة الشابة التي تعمل بشكل مدروس وصارم على تحقيق تطلعات شعبي البلدين، وإعطاء الشباب العربي أملاً في مستقبل مشرق وآمن للمنطقة، على رغم محاولات التشويش التي يقودها البعض.

وتعد العلاقات بين البلدين انعكاساً حقيقياً لتناغم شعبي واضح بين البلدين، حيث أصبح السعوديون يجدون في الإمارات بيتهم الثاني الذي يشعرون فيه بأنهم في بلدهم وبالأمان والتقدير، ولذلك اتجهت بوصلة الأعمال والسياحة السعودية باتجاه الإمارات بشكل واضح، والعكس صحيح أيضاً. كما تشكل هذه العلاقات بعمقها الشعبي نموذجاً يحتذى به في العلاقات العربية - العربية في ضوء التوافق بين الرياض وأبوظبي في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بما يعكس عمق الروابط التاريخية التي تجمع قيادتي البلدين، ومتانتها التي تعززت في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وأيضاً على مستوى العلاقات العربية والإسلامية.

ولا شك أن تأسيس البلدين مجلساً تنسيقياً مشتركاً في مايو 2016، قد شكل نقلة نوعية ومرحلة جديدة في مسار العلاقات الثنائية، حيث أضفى هذا المجلس الطابع المؤسسي على العلاقات بين الدولتين، ووفر قناة فاعلة للاتصال المباشر والمستمر بينهما، ما ساعدهما في سرعة اتخاذ القرارات اللازمة للتعامل مع القضايا الاستراتيجية الملحة بشكل آني وفعال.

وأجمع خبراء استراتيجيون وسياسيون سعوديون على أن العلاقات الأخوية التي تربط بين الإمارات والسعودية، تشكل سداً منيعاً يستطيع الوقوف أمام التيارات الجارفة التي تتهدد المنطقة على أكثر من صعيد. ووصفوا في تصريحات لـ«الاتحاد» هذه العلاقات بأنها استراتيجية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، نسبة إلى تناغم وتوافق الرؤى تجاه القضايا الإقليمية والدولية، والوعي بخطورة التهديدات والتحديات المصيرية المحيطة بالمنطقة. وشدد الخبراء على أن تحالف الرياض – أبوظبي قد تعرض لاختبارات قاسية، هدفت للنيل منه وتفتيته دون جدوى، حيث حاول الإعلام القطري وأذرعه الخارجية بث الشائعات من وقت لآخر حول هذا التحالف، خاصة عملياته لإنقاذ الشعب اليمني من تدخلات إيران وعملائها في المنطقة.

عمق استراتيجي

وقال الخبير السياسي والإعلامي الدكتور محمد السحيم الشمري إن السعودية والإمارات يمثلان بما لديهما من مكانة إقليمية ودولية، وبحكمة قيادتيهما، عمقاً استراتيجياً للأمن القومي العربي، خاصة في ظل ما تتعرض له المنطقة العربية من تجاذبات وتعارضات تفرضها المصالح الإقليمية والدولية، ما سيجعل الرهان الحقيقي في المستقبل بل والحاضر قائماً على التعاون السعودي الإماراتي من أجل حماية المنطقة مما يحاك لها، وسعياً للاستقرار والأمان والسلام فيها.

وأضاف أن ما تتمتع به السعودية من ثقل ديني على مستوى العالم بأكمله بحكم احتضانها للحرمين الشريفين ومهد الإسلام وقبلة المسلمين، جعلها دولة إسلامية عربية قائدة ومحورية، إضافة إلى ما تمثله من ثقل سياسي وعسكري واقتصادي على مستوى الشرق الأوسط، حيث تمتلك رابع أكبر وأقوى جيش في المنطقة، جعل الإمارات تدرك أهمية المملكة ومحورية دورها في حلحلة قضايا المنطقة، مشيراً إلى أن ذلك هو ما عمّق من التعاون الاستراتيجي بين البلدين في الفضاء الجيوسياسي الخليجي والعربي الذي يشهد العديد من التحديات.

وأوضح الشمري أن العمق التاريخي للعلاقات بين السعودية والإمارات أثبت أنها لم تكن علاقة مرحلية أو تكتيكية فرضتها ظروف سياسية معينة، بل هي علاقة استراتيجية تقوم على حماية المصالح القُطرية لكليهما، فضلاً عن العلاقة الثنائية فيما بينهما، إلى جانب المصالح الخليجية والعربية والإسلامية. وقال إن البلدين نجحا من خلال التنسيق والعمل المشترك في التصدي لخطر التطرف والإرهاب، والقوى والأطراف الداعمة لهما، وأيضاً مواجهة التدخلات الخارجية في دول المنطقة، مثلما يحدث حالياً في اليمن.

القوة الضاربة

من جهته، قال الخبير الاستراتيجي الدكتور سعيد بن علي الغامدي إن السعودية والإمارات تقدمان نموذجاً قوياً يرسم سياسة المنطقة، ويجعل منها القوة الضاربة لكل من يريد بهما سوءاً، مشيراً إلى أن التحالف العربي لنصرة اليمن قد أسس علاقة تاريخية أبدية معطرة بدماء شهداء البلدين الذين ارتقوا دفاعاً عن اليمن وأهله، ونصرة للحق، وحرصاً على تماسك ووحدة اليمن من عبث العابثين، وأحقاد الحاقدين الذين سلكوا كل السبل للإيقاع باليمن، وإجهاض حلم أبنائه بدولة حرة ومستقلة.

وأضاف أن أهم ما يميز العلاقات السعودية الإماراتية هو التوافق السياسي الذي أثمر عن تشكيل محور استراتيجي في المنطقة التي تتعرض لأزمات ومخاطر متلاحقة. مشيراً إلى أن التحالف السعودي الإماراتي شهد عدداً من المشاركات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، منها مشاركة الإمارات في تمرين «رعد الشمال» التي تعد واحدة من أكبر التمارين العسكرية في العالم، فضلاً عن تمارين عسكرية وأمنية أخرى، بالإضافة إلى أن الإمارات هي الدولة الثانية من حيث المشاركة بالعتاد العسكري، والمساهمات الواضحة في التحالف. وأوضح الغامدي أن التنسيق بين الدولتين في المواقف الثنائية حظي، بتأييد شعبي، جعل من الجبهة الداخلية في البلدين داعمة لصانع القرار، لافتاً إلى أن المتابع لردود الأفعال المجتمعية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتكشّف لديه درجة الدعم التي يحظى بها القادة في الدولتين، وشدد على أن الإمارات ظلت عضداً للسعودية في جهودها للدفاع عن المصالح العليا للأمة العربية، وأن العلاقات بين البلدين استراتيجية راسخة وثابتة، مشيراً إلى أن أصدق تعبير عن قوة العلاقات، يتجلى في تدفق آلاف السعوديين في كل العطل والإجازات مهما كانت قصيرة إلى الإمارات.

تطور ونمو

أما المحلل الاقتصادي عبد الله بن نايف الشريدة، فقد أوضح أن العلاقة الاقتصادية المتطورة، تعتبر القاطرة الرئيسة التي ستقود منطقة الخليج للتطور والنمو، وأن لتحالف البلدين دوراً كبيراً في توجيه السياسة الإقليمية والاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن هناك تزيداً في حجم التبادل التجاري بين البلدين، إذ بلغ نحو 588 مليار ريال خلال عشرة أعوام، وتحديداً من عام 2007 حتى نهاية عام 2016. وأضاف أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية والإمارات الأكبر بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. وقال إن السعوديين يتصدرون قائمة المستثمرين العرب في السوق العقارية الإماراتية، بما يزيد على مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2017. موضحاً أن هناك نحو مليوني مسافر سعودي إلى الإمارات سنوياً.