حسين شبكشي

 تجتاح بعض دول العالم العربي «موجة» من توجيه الاتهامات بأفظع الادعاءات للقطاع الخاص بشكل ممنهج، لإحداث حالة من الشعبوية الواضحة، وهي عاجلاً أم آجلاً ستكون لها آثار في غاية السلبية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ولفت نظري مؤخراً، وذلك خلال حديث مع أحد المهتمين بالشأن الثقافي العربي، مساهمات القطاع الخاص العظيمة في هذا المجال الحيوي؛ فبعيداً عن مساهمات هذا القطاع في الجانب الاقتصادي الواضحة الملامح، وكذلك الأمر مساهماته في القطاع الخيري، فإن بصمات القطاع الخاص في الشأن الثقافي أقل ما يقال عنها إنها مميزة وهائلة في العالم العربي، ومع الأسف الشديد لا تلقى أي قدر من الاهتمام ولا التقدير المناسب. 

اليوم في مصر تعتبر «ساقية الصاوي» أحد أهم منابر العطاء الثقافي المتنوع، مما تقدمه من عروض مسرحية وغنائية وموسيقية، بالإضافة إلى محاضرات وندوات ثقافية وفكرية وفنية. وهي مبادرة نمت تماماً من لدن القطاع الخاص وبأدوات ذاتية خالصة. 
وفي الكويت لا يمكن أبداً إغفال الدور الريادي لـ«مؤسسة البابطين الثقافية»، التي احتلت موقعاً ومكاناً ريادياً في الحوارات والندوات والمؤتمرات والمعارض التي ترعاها، وهي كلها جهود نابعة من القطاع الخاص، وتحولت مع مرور الوقت إلى عمل مؤسساتي يدار باقتدار وجدارة. 
وفي الإمارات هناك جهود مهمة ومميزة لعدد غير بسيط من رجال الأعمال، بالشأن الثقافي، لعل أبرزها ما يقوم به رجل الأعمال جمعة الماجد، وبصماته الهائلة في حفظ التراث العربي والإسلامي بشكل احترافي ومميز يحسب له ولمؤسسته، وهو كانت له المكانة الاستباقية لذلك الأمر في بلاده. 

وفي لبنان كانت مهرجانات بيت الدين، وبعلبك، وجبيل، جميعها مبادرات من القطاع الخاص فكرة وتنفيذاً وتمويلاً، حتى تحولت مع الوقت إلى أهم الواجهات الثقافية في لبنان كله، وكتب لها النجاح العالمي الاستثنائي.
وفي البحرين لا يمكن أبداً إغفال دور «مركز الشيخ إبراهيم الخليفة للثقافة والبحوث»، الذي تحول بمجهود خاص إلى منارة ثقافية بامتياز، تعقد فيه أهم الندوات الفكرية والمحاضرات الأدبية والملتقيات الفنية والحوارات الثقافية، في نافذة على العالم بحضاراته، وأصبحت مناسباته «ترمومتراً» لقياس نبض الحراك الثقافي في البحرين، وبآثار ملموسة على دول الخليج أيضاً. 
وفي السعودية هناك حراك قديم يتبناه كثير من الوجوه البارزة في القطاع الخاص، فهناك «اثنينية» عبد المقصود خوجة التي احتفت لعقود طويلة من الزمن بأهم الأدباء والفنانين والمفكرين، وتبنت طباعة إنتاجهم الأدبي وتوزيعه. وهناك «أحدية» راشد المبارك، التي كانت تعقد ندوات فكرية بجرأة واحترام، تناقش مواضيع حيوية واستباقية. وهناك «ثلوثية» محمد سعيد طيب، التي كانت بمثابة ملتقى فيه عصف ذهني حر لأفكار وآراء. وهناك «ملتقى الثلاثاء الثقافي» الذي أسسه ويشرف عليه جعفر الشايب، ويقدم فيه أهم الندوات الفنية والأدبية والاجتماعية بشكل مفيد ومحترم. 
واليوم يرى المجتمع السعودي أكبر وأهم شركات القطاع الخاص فيه، «شركة عبد اللطيف جميل»، تقدم مبادرة هائلة وعظيمة للفنون التشكيلية الجميلة بشكل حضاري وراقٍ، يوازي أهم ما قدم حول عواصم العالم. 
القطاع الخاص قدم نماذج ناجحة ومهمة في عالم الأعمال؛ لكن دوره الثقافي الهائل لا يمكن إغفاله، وخصوصاً أنه كان يقدم على ذلك وسط صعوبات وتشكيكات وظروف استثنائية، فلذلك وجب التذكير بذلك، وإرسال رسالة التحية والاحترام.