وحيد عبد المجيد 

لم تعد روسيا المصدر الرئيس للمقترحات والأفكار بشأن حل الأزمة السورية، منذ أن اقتحمت هذا المجال عندما قدمت مسودة لدستور جديد في أواخر عام 2015، ووصولاً إلى البيان الختامي لمؤتمر سوتشي الذي أظهر أنها لم تستطع بعدْ التحولَ من طرف في الصراع إلى وسيط حقيقي.

دخلت دول غربية وعربية على الخط سعياً إلى تجسير الفجوة الواسعة بين ما تطرحه روسيا، وما يمكن أن تقبله المعارضة السورية، رغم وضعها الراهن الذي يزداد ضعفاً. أعدت الولايات المتحدة، بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن، ورقة تتضمن مبادئ للحل، ومقومات نظام سياسي جديد، وقدمتها إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.

الورقة صيغت بعناية، ودخلت في تفاصيل تتجنب المقترحات والوثائق الروسية عادةً الخوض فيها، وسعت إلى الاقتراب من مواقف المعارضة التي لم تأخذها موسكو في الحسبان عندما أعدت البيان الختامي لمؤتمر سوتشي مسبقاً قبل أن يلتئم هذا المؤتمر.

ورغم إجراء تعديل في هذا البيان، لا يبدو أنه يكفي كأساس لحل سياسي، ولكن ورقة الدول الخمس لا تكفي بدورها لفتح الطريق المغلق أمام هذا الحل، رغم حرص من أعدوها على عدم حسم مصير الأسد، بل صاغوا تصورهم للنظام السياسي بطريقة تتيح استمراره، لكن من دون معظم صلاحياته الحالية.

مشكلة بيان سوتشي أنه ليس مفرطاً في الواقعية فقط، بل ينطلق من محاولة فرض الأمر الواقع الذي نتج عن تحول جوهري في ميزان القوى بفعل التدخل العسكري الروسي منذ سبتمبر 2015. لا يترك البيان مساحة تتيح تحقيق حد أدنى من التوازن في أي حل يترتب عليه. وهذا المقدار من التوازن يبقى ضرورياً، ما دامت المعارضة لم تعلن استسلاماً غير مشروط.

أما مشكلة ورقة الدول الخمس فهي مثاليتها التي تجعلها بعيدة عن الواقع. التصور المتضمن في الورقة يصطدم ببعض معطيات الواقع، وخاصة رفض نظام الأسد تقديم أي تنازل، حتى في إطار يتيح بقاء رأسه وإشراك أركانه في نظام سياسي عصري تشتد حاجة سوريا إليه.

يقوم التصور على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، على نحو يمكن أن يساعد المعارضة على تجاوز عقدة مصير الأسد، فسلطة الرئيس، في إطار هذا التصور، لا تُخيف المعارضة، ولا تُمكِّنه من إعادة إنتاج النظام الذي حكم سوريا لعقود طويلة. وما يمكن فهمه من هذا التصور أن صلاحيات الرئيس ستتركز في السياسة الخارجية والدفاع، بينما ستكون السياسات الداخلية في مجملها من اختصاص رئيس الوزراء والحكومة.

ويرسم التصور حدوداً واضحة بين صلاحيات الرئيس، ودور رئيس الوزراء والحكومة، بطريقة تُيسِّر قبول استمرار الأسد في الرئاسة. سيكون المجلس النيابي هو المسؤول عن اختيار رئيس الوزراء ومحاسبة الحكومة، بحيث لا تكون لرئيس الجمهورية سلطة تعيينهما أو إقالتهما. وإلى جانب المجلس النيابي، يستحدث التصور مجلساً آخر للتمثيل الإقليمي، أي تمثيل المناطق، بهدف ضمان حضور تمثيل مناسب لمختلف مكونات المجتمع السوري من أديان ومذاهب وأعراق تحسباً لاحتمال أن يفتقر المجلس النيابي إلى الحد الأدنى من التوازن بينها.

وتبدو هذه الصيغة بديلة عن الصيغة الاتحادية «الفيدرالية»، التي يطالب الأكراد بها، ويرفضها النظام والمعارضة على حد سواء بفعل مواريث ثقافية قديمة مستمرة منذ مرحلة صعود النزعة القومية العربية، ومن هذه المواريث رفض الصيغة الفيدرالية، وعدم إدراك حقيقة النجاح الذي حققته في الدول التي أخذت بها في مناطق عديدة.

ويؤسس تصور الدول الخمس، على هذا النحو، لتحول من نظام فردي مطلق يُسمى مجازاً نظام رئاسي أو جمهوري، إلى نظام شبه برلماني يكون المجلس النيابي بمثابة مركز الثقل فيه، وتحصل الحكومة بموجبه على معظم الصلاحيات التنفيذية.

وفي مثل هذا النظام، لا يكون دور الرئيس شرفياً بخلاف الحال في النظام البرلماني، بل يمارس صلاحيات محددة. ورغم أنها ليست واسعة، فإنها تتيح له الإمساك بالسياسة الخارجية، وتحديد اتجاهاتها العامة.

وهذا تصور جيد نظرياً، لكنه يبدو مثالياً على نحو يصعب تنزيله على الواقع في وقت يتطلع نظام الأسد إلى الاستمرار من دون تغيير، أو مع بعض التعديلات الشكلية.

والحال أن الطريق إلى الحل السياسي في سوريا يظل مسدوداً، ما دامت محاولات فتحها تصطدم إما بواقع أقوى منها، أو بمحاولة تقنين هذا الواقع وإضفاء شرعية عليه.