محمد علي فرحات

أشارت وسائل إعلام روسية إلى اعتزام وزارة الدفاع إجراء محادثات مع نظيرتها اللبنانية للتوصل إلى اتفاق للتعاون العسكري بين البلدين. ليس العرض الأول من نوعه لكنه يدخل هذه المرة في سياق الحضور العسكري الروسي شرق المتوسط بعد تركيزه قاعدتين في سورية. كانت بيروت الأقل اهتماماً بالخبر، فالربوع اللبنانية مليئة بالسلاح الروسي الذي يمتلكه «حزب الله» وبقايا الميليشيات المنحلّة في بيئات كانت تناصر المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن أن سورية زوّدت الجيش اللبناني - عملياً ولمدى سنوات - بسلاح وذخائر روسية، على ذمة دمشق لا ذمة موسكو.

لن يدخل السلاح الروسي رسمياً ومباشرة إلى الجيش اللبناني الشرعي، فقد سبقه السلاحان الفرنسي والأميركي، بل إن لبنان يفضل الولايات المتحدة مصدراً لسلاح جيشه، بإجماع عملي لسياسيي 14 و8 آذار، ولا يدخل ذلك في إطار اتفاق عسكري بين البلدين بقدر ما هو سلوك في إدارة الجيش يُجمع عليه السياسيون. والواقع أن واشنطن تعطي سلاحاً إلى لبنان وتدرّب ضباطاً من جيشه منذ عشرين سنة على الأقل، وفي السفارة الأميركية في بيروت «مكتب التعاون العسكري» الذي يرأسه ضابط يهتم بهذا الشأن، والمكتب كيان منفصل عن ملحق الدفاع في السفارة (الملحق العسكري). هذه السياسة في التسليح تجنّب لبنان نزاعات مع الولايات المتحدة وأوروبا لا يتحملها الوطن الصغير، خصوصاً مع جهد بيروت وأصدقائها للحفاظ على الاستقرار وعدم الغرق في فوضى السلاح في المشرق التي ساهمت مع الانهيارات السياسية في تحطيم الدولة والمجتمع لدى الجارين، سورية والعراق.

ولا ترغب بيروت في الدخول إلى حلبة الصراع غير المعلن بين واشنطن وموسكو في المشرق العربي، ويكفيها اعتراف الدولتين العظميين بالحكومة الشرعية اللبنانية ودعمهما الاستقرار، وفي هذا الإطار تحرص بيروت على علاقات سياسية حسنة مع موسكو بقدر حرصها على مثل هذه العلاقات مع واشنطن، ويدخل ذلك في نطاق إجماع الشرعية اللبنانية على مظلة الدولتين العظميين في مرحلة اهتزاز المنطقة، خصوصاً مع وعيد الصراع غير المعلن بين أنقرة وطهران المتحالفتين ظاهراً، وتوسُّل إيران الصراع العربي - الإسرائيلي سبيلاً لزيادة نفوذها في المشرق وصولاً إلى شاطئ المتوسط .

السلاح الأميركي يرسل إلى لبنان الرسمي، ومعه الزيارات الرسمية الأميركية لمراقبة الوضع في السياسة والاقتصاد.

مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد في بيروت لبحث الوضع على الحدود الجنوبية، بعد تهديدات إسرائيل الأخيرة الموجّهة ضد مناطق لبنانية بحرية للتنقيب عن الغاز وضد صواريخ «حزب الله». ويتردّد أن ساترفيلد يمهد لزيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى بيروت في سياق جولة على المنطقة. وكالعادة يقدم لبنان الرسمي مشكلاته أمام الراعي الأميركي غير الصالح، ويحصل على رغم ذلك على تطمينات في شأن العدوانية الإسرائيلية وضبطها أميركياً. وفي المقابل يكرّر الأميركي ما يطلبه عادة في شأن «حزب الله» المصنّف إرهابياً لدى واشنطن، خصوصاً أن الخارجية الأميركية تحارب ما تراه امتدادات للحزب في العالم، وآخر ذلك جولة تيلرسون في أميركا اللاتينية حيث أطلق تحذيراً في هذا الشأن.

وعلى رغم الأمل بالحصول على تطمينات، تدرك القيادات اللبنانية دقة المرحلة عسكرياً وسياسياً، خصوصاً أن القصف الأخير للطيران الإسرائيلي على سورية تم من الأجواء اللبنانية، وليس ذلك للمرة الأولى، مما يؤكد المعلومات المتداولة عن مذكرة تفاهم روسية - إسرائيلية تسمح لتل أبيب بضرب أهداف محددة في سورية من الأجواء اللبنانية. فهل يتوسّع هذا التفاهم أم يجري العمل على تضييقه؟ الجواب في موسكو والقدس المحتلة وأيضاً في واشنطن التي تعاين لبنان من بعيد وقريب. وقد يحمل الجواب تصوُّراً لإمكان حرب إسرائيلية على «حزب الله» أو الاستمرار في تأجيلها لحسابات إسرائيلية لا لحسابات إيرانية.

لن يتطرق ساترفيلد (ومن بعده تيلرسون) إلى الانتخابات النيابية ولا إلى حقل الغاز الرقم 9. ثمة ما هو أهم: يبقى لبنان بعيداً من المحرقة السورية بشروط واشنطن أم يجري دفعه إليها بيد إسرائيل؟