فتح الرحمن يوسف

شدد الأمير تركي الفيصل، والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير الخارجية البحريني، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، على أن حقبة الأمير الراحل سعود الفيصل شكلت إرثاً متجدداً للدبلوماسية الناجحة على مستوى العالم، عبر مواقفه الشجاعة في المحافل الدولية في الذود عن كرامة الأمة «وحل الكثير من القضايا والمعضلات التي دلت على تفرده وحنكته وإخلاصه لمليكه ووطنه ودينه وأمته».


واستعرض المتحدثون مواقف الأمير الراحل سعود الفيصل، والكثير من مآثر الراحل ومواقفه وحكمته ونهجه القيادي المتميز، مقتطفين الكثير من الكلمات التي قالها في المحافل العربية والدولية، مؤكدين أنه عند استحضار الراحل للحِكم والأمثال أثناء وقوفه في منابر الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية للدفاع عن الإسلام وقضاياه والعروبة وأزماتها، كان ينتصر لهم بأسلوبه الشخصي.
جاء ذلك في ندوة كبرى ضمن النشاط الثقافي لمهرجان الجنادرية بالرياض أمس، أدارها الدكتور نزار مدني، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي.
وقال الأمير تركي الفيصل: «لقي الراحل سعود الفيصل من التأبين والإطراء ما يملأ المجلدات، وما بقي من ذكراه يتبين في القيم الإنسانية والصفات النادرة، التي لا تجتمع في شخص واحد، فحينما سمعنا من المذياع نبأ احتلال الصهاينة القدس الشريف ذرفت عيناه».
وأضاف: «إن قلت الحكمة أشير إلى إدارته السياسية، التي أوقفت نزيف الدم في لبنان، ثم سياسته إبان الحرب العراقية الإيرانية، وغيرها من المآسي التي أصابت الأمة العربية»، منوهاً إلى أن الراحل ترك إرثاً وكنزاً من المآثر والتفاني، فضلاً عن تعامله بمسؤولية وشجاعة مع رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي بثها في القمة العربية بشرم الشيخ.
ولفت الأمير تركي الفيصل إلى بعض الكلمات التي أطلقها الأمير سعود الفيصل في ندوة «إصلاح البيت العربي» ضمن فعاليات «منبر الجنادرية» في عام 1424هـ، حيث طلب إلقاء الضوء على إحدى القضايا السياسية التي تواجه الأمة العربية، ألا وهي قضية تطوير المشاركة السياسية وإصلاح البيت العربي، مذكراً بأن ذلك كان قبل ما سمي الربيع العربي.
وتحدث الأمير تركي الفيصل عن الصفات الشخصية للأمير الراحل سعود الفيصل، ومواقفه الشجاعة في الدفاع عن الأمة العربية برمتها وقضاياها المصيرية، مستعرضاً «أجمل ما سمعه من سعود الفيصل في مجال طرح القضايا والدفاع عنها، واحترام الإنسان قبل كل شيء بأحد اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة»، حيث قال الراحل: «نحن العرب نحن في المملكة العربية السعودية... لا ننكث بالوعد كما لا نرتضي الوعيد، ونحن العرب أهل ود وعهد، أكرمنا الله بأن حمّلنا رسالة الإسلام... رفعنا بتواضع واعتزاز راية الحق ونصرة المظلوم إغاثة الملهوف وترفعنا عن انتهاك حقوق الجار وحرمة الشقيق واستلاب المغانم، وهذه أخلاقنا العربية الأصيلة ومبادئنا الإسلامية تدل علينا نحن العرب نحن في المملكة العربية السعودية».
كما تناول الأمير تركي الفيصل المواقف الثابتة للسعودية تجاه القضية الفلسطينية، التي عبّر عنها سعود الفيصل، وزير الخارجية، لأكثر من 4 عقود؛ إذ جاء في خطاب له بأحد المؤتمرات الأممية: «أقول للشعب الفلسطيني إن قضيتكم قضيتنا وقضية كل العرب، ويجب الحفاظ على التماسك المطلوب، وليس وليد اليوم أو الأمس، وسنستمر إلى أن تحرر القدس، فقفوا سداً منيعاً ضد الذين يحاولون استغلال عواطفكم». وأضاف الأمير تركي: «عند استحضار الراحل للحِكم والأمثال أثناء وقوفه في منابر الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية للدفاع عن الإسلام وقضاياه والعروبة وأزماتها، كان ينتصر لهم بأسلوبه الشخصي».
من ناحيته، أكد الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، أن الأمير سعود الفيصل ترك صرحاً شامخاً ودبلوماسية فاعلة، مستمرة، مشيراً إلى أن دبلوماسية الراحل لها احترامها وثقل ويحسب لها ألف حساب من مختلف الأطراف، إن كانت من الدول الكبرى أو الدول المجاورة، وإن كانت دول صغيرة فهي تعتز بهذه العلاقة بالسعودية.
وقال الوزير البحريني: «السعودية حينما تتخذ المواقف تؤثر على مجريات الأحداث، لقد كنت محظوظاً بأن أعمل مع الراحل، والمعرفة بدأت من قريب وبعيد؛ لأنني بدأت من أقل الوظائف قبل الصعود إلى موقعي الآن»، مضيفاً: «كنت أرافق الشيخ محمد بن مبارك، وزير الخارجية السابق ونائب رئيس الوزراء حالياً، في جميع الاجتماعات والمؤتمرات، وخصوصاً مجلس التعاون، وكنت أرى وأتعلم، وأنهل من علم وقدرات الأمير الفيصل».
واستطرد الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة: «في عام 2005 حينما توليت مسؤولية وزارة الخارجية، بدأت العمل معه عن قرب وفتح لي أبواب التعلم منه، وتعرفت عن قرب أكثر على شخصيته، وسمو أخلاقه وتواضعه الجم وذكائه الحاد».
وأضاف: «كانت شخصية الراحل وتصرفاته تؤثر فينا، لم نكن في حاجة إلى أن يتحدث حتى نفهم ما يجول في خاطره؛ فملامح وجهه تكفينا، وفي عام 2011 يدافع عن البحرين ويتكلم عنها ويرد الأذى والإساءة، ويأتي بالرأي تلو الرأي دفاعاً عن مملكة البحرين، فكنت أحس بأن هو الوزير وأنا أعمل معه».
واستذكر وزير الخارجية البحريني انطلاق عاصفة الحزم، مشيراً إلى أن توجيه الأمير الراحل سعود الفيصل الدعوة إلى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون ومصر، إبان تواجدهم في شرم الشيخ، مضيفاً: «دخلنا على الراحل، ووجدناه مشغولاً باتصالات مع وزراء خارجية الدول كبرى، منها أميركا وفرنسا وبريطانيا، الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي، ويقول نحن في المملكة وحلفاؤنا وأشقاؤنا قرروا اتخاذ قراراً بأن يجيبوا دعوة الرئيس اليمني منصور هادي ربه، وستصل طائرتنا خلال ساعة صنعاء، حيث كان يبلغهم، لم يشاور أحداً؛ لأنه صدر القرار السياسي بأمر خادم الحرمين الشريفين، نصرة للشعب اليمني».
وواصل الشيخ خالد آل خليفة: «بعد وفاته كنت في الأمم المتحدة وأكتب كلمتي وجاءت فقرة اليمن، فاستعدت عبارة الراحل الشهيرة، وهي (نحن لسنا دعاة حرب، لكن إذا دقت طبولها فنحن لها)، فأردت أن أذكّر العالم بها»، مشيراً إلى أن كلمات الأمير الراحل سعود الفيصل ما زالت تدور في أروقة الأمم المتحدة وما زالت تجري في عروق السياسة السعودية إلى الآن، فعلى كل مواطن سعودي عربي ومسلم أن يفهم ما تقدمه السعودية من تقدم ورقي في كل جانب، وهذا يحسسنا بالثقة والاطمئنان لمستقبلنا».
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير «من الصعوبة بمكان حصر صفات ودبلوماسية الأمير سعود الفيصل، ويصعب عليّ أن أوفيه ما يستحقه... كان الأمير الراحل، وزير خارجية بلده خادماً إياها على مدى 4 عقود من الزمن، أسس وزارة الخارجية وتعامل مع الأزمات بما يتمتع به من الحكمة والحنكة والشجاعة والشهامة والإنسانية، حيث تعامل مع الأزمات منذ توليه وزارة الخارجية».
وأضاف الجبير: «أول أزمة تعامل معها هي الأزمة اللبنانية، واستطاع في عام 1967، أن يتعامل معها وينهي الحرب الأهلية، وتعامل معها في اتفاق الطائف، في السعودية، وتعامل مع أحداث المنطقة على مدى سنوات طويلة».
ولفت إلى تعامل الراحل مع أزمة أفغانستان، بجانب تصديه لأزمة الكويت، ومن ثم التعامل مع التحالف الدولي لتحريرها، مع تمسكه بالعمل من أجل السلام، سواء في مؤتمر مدريد أو مؤتمرات أخرى».
واستطرد الجبير: «كان الراحل متواضعاً ومطلعاً ويقوم بعمله بجهد كبير رغم وضعه الصحي، على سنوات طويلة، وتشرفت بالعمل معه تحت قيادته على مدى 30 عاماً، لم أتذكر أن تأخر عن موعد أو ألغى موعداً رغم وضعه الصحي».
وقال الجبير: «كان الراحل يتعامل مع الأزمات، بالساعات الطويلة تمتد إلى 11 ساعة و13 ساعة، دون كلل أو ملل؛ لأنه كان صبوراً، وكان أسلوبه في الأمم المتحدة وفي المؤتمرات الدولية الأخرى، فهو دوماً يأخذ موقفه من الآخر بسياسة، إما أقنعه أو أحتويه أو أتصدى له أو أهزمه». وأشار إلى أن الراحل أسس المعهد الدبلوماسي وشجع الدبلوماسيين الشبان، ودعاهم لتطوير أنفسهم، منوهاً إلى أنه «يسامح بالخطأ شريطة التعلم منه، لكنه لا يسامح بالتجاوزات، حيث كان يجمع الحسم والهدوء... كل ما قيل وكتب لن يوفيه حقه فيما حققه للدبلوماسية وخدمة قضايا بلده وأمته».
وقال الجبير: «مكانة الراحل وبصماته وسمعته لا تزال قائمة وستستمر قائمة، ما وضعه من تجربة دبلوماسية واحترام الآخر في كل أنحاء العالم، لقد تعلمت منه الكثير حول كيفية التعامل مع الأزمات بحكمة وحنكة».