سمير عطا الله

 تابعت على «بي بي سي» ندوة حول ضرب التلامذة في البيوت والمدارس. أكثرية المشاركين استفظعوا الطريقة واعتبروها من موروثات القرون الهمجية. القليل قال إنه تعرض صغيراً لضرب التأديب وهو لا يرى ضيراً في ذلك.

لا ضرورة للشرح أن البرنامج كان على «بي بي سي عربي» لأن المسألة لم تعد مطروحة عند معظم الشعوب الأخرى. وفي بلدان وقارات أخرى لم يعد ضرب الحيوان جائزاً، بل يخضع لعقاب القانون. وقبل سنوات كتبت هنا أنني رأيت في أحد أحياء بيروت عاملاً عربياً (غير سوري) ينهال ضرباً على ابنه اليافع في الطريق، فترجلت من سيارتي واعترضته، فاعتذر وبكى، محاولاً تبرير ما لا يبرر ولا يسامح.
في يوم برنامج «بي بي سي» ذهبت كالعادة في جولة على مكتبات عربية. وللمرة الأولى من رفقة المكتبات انتبهت إلى نسبة العنف في العناوين. ونسبة كره الآخر (العربي). ونسبة تكذيب الآخر. ومدى البساطة في توجيه التهم إليه وتأكيدها. ومدى التحريض. ومدى الغضب. ومدى الإنكار. ومدى الخرافة. ومدى فظاعة الخرافة.
شعرت بالاختناق وبالحزن وبكم هو عالمي مزيف وظالم. وأدركت لماذا منتج كل هذه اللاإنسانيات، ولماذا يقول محاور في برنامج إذاعي عالمي إن ثمة فائدة في ضرب الصغار. ويقصد بالضرب التربية. وقد تبين للدارسين في بريطانيا أن الشذوذ على أنواعه ناتج عن هذا النوع من التنشئة.
نحن مجتمعات غير طبيعية في حالات كثيرة. الجرائم العائلية التي حدثت في لبنان أخيراً مقززة في عددها وفي طبيعتها. وكذلك الجرائم التي أقرأ عنها في مصر. جرائم مرضية كالتي كنا نقرأ عنها في عصور الظلام وروايات التوحش. وليس من الضروري الذهاب بعيداً للبحث عن أسباب الظاهرة. ألقِ نظرة على عدد أطفال الشوارع. تأمل عناوين الكتب. أصغِ إلى طريقة النقاش في البرامج الحوارية. تأمل المحاورين. تأمل «منافض» السجائر وأكواب الماء تتطاير في الهواء.
ماذا سيكون نتاج هذه «التربية»؟ الذين يبحثون عن بذور وجذور الإرهاب عليهم البدء في المدارس حيث لا يزال التلميذ يُضرب لكي «يتعلّم». ومن ثم في دور النشر التي تشبه مصانع الرصاص والسموم. وحاول أن تعرف نوعية الكتب والصحف والمواقع الأكثر إقبالاً.
جزء من هذه الفوضى الدموية العارمة أساسه «العلمُ في الصِغر». عندما نعلم الأطفال أن الضرب علم، والتربية أستاذ متوحش، والذاكرة تساق بالعصا أو باللكمة. إذا كنا حقاً نريد إعادة النظر في المستقبل، يجب ألا نذهب بعيداً على الإطلاق.