سمير عطا الله

 لا أعتقد أن بين الصحافيين العرب من كتب عن كوريا الشمالية بقدر ما كتبت. فقد أطلت في السبعينات بإعلانات في الصحافة اللبنانية عن «الزعيم المبجل لأربعين مليون كوري»... صفحات عليها صورة كيم إيل سونغ، ومطولات مكتوبة بلغة كأن كاتبها نفسه لن يعيد قراءتها.

صورة للزعيم المبجل في أعلى الصفحة، ثم موضوع واحد هو الزعيم، وحدث واحد هو الزعيم، ومسألة واحدة هي الزعيم، وملل واحد هو خطب الزعيم. أسلوب من القرن الثامن عشر، فيما كان الإعلام العالمي في ذروة حداثته، وأنظمة العالم قد عبرت القرن العشرين.
بعد كيم إيل سونغ جاء كيم الثاني، ثم أطلّ كيم الثالث ضاحكاً ومعه منظار يراقب به الصواريخ المتطايرة فوق اليابان والقادرة على ضرب الولايات المتحدة حاملة رؤوساً نووية، أو على سحق كوريا الجنوبية مثل حشرة. لماذا أيها الزعيم الثالث في المبجلين؟ ما المناسبة؟ كيم الثالث.
لا يقول، لكنه يمضي في الصور والتجارب بينما العالم يرتعد من كبسة زر خاطئة أو مقصودة.
فجأة، خرجت من هذا البلد المغلق علامات أخرى: وفد أولمبي يعبر إلى الجنوب. ثم الرئيس الشمالي يعبر إلى الجنوب؛ بل ثم شقيقة الزعيم نفسه تعبر إلى الجنوب، من دون أن يخشى أن تطلب اللجوء، كما فعلت سفيتلانا، ابنة ستالين. كل ذلك بدا خيالاً، من دون أن يعرف أحد ما السبب الحقيقي وراء هذا التغيير، أو هل يدوم.
قبيل افتتاح الدورة الأولمبية أقام الرئيس الجنوبي مأدبة عشاء لضيوفه الشماليين ونائب الرئيس الأميركي مايك بنس. حضر بنس وصافح الحاضرين، وانسحب لكي لا يجلس قبالة الرئيس الشمالي. ما رأيك؟ لا أنت ولا أنا نصنع السياسة الخارجية الأميركية، لكنني أعتقد أنها هفوة كبرى.
أولا؛ فيها قلة اعتبار لصاحب الدعوة، أحد أهم حلفاء أميركا. ثانياً فوَّت المستر بنس فرصتين على الأقل: الأولى أن يثبت قدرة أميركا على تجاوز الخلافات والترفع عنها، والثانية أن يفتح باب الحوار مع خصم متوتر، هوايته وعمله لا ينفصلان: إطلاق الصواريخ عابرة القارات، والتقاط الصور التذكارية معها... في بشاشة وهشاشة.
حفلت ولاية ريتشارد نيكسون بالأخطاء والإنجازات. لكنه دخل التاريخ على أنه الرئيس الأميركي الذي صالح الصين، وذهب بنفسه إلى لقاء ماو تسي تونغ في بكين. ومنذ تلك اللحظة لم يعد العالم كما هو. تغير كل شيء وانفتحت جميع الأبواب إلا أبواب المبجل. لقد أغفل المستر بنس أهمية المناسبة.