زاهي حواس

 من المميزات الجميلة للمباني القديمة في المملكة العربية السعودية التي بُنيت بالطين، الطراز المعماري المتناسق مع البيئة والطبيعة؛ ومنها وجود الحوش، الذي أصبح من السمات التقليدية، ليس فقط في السعودية، ولكن في أماكن كثيرة في شرق أفريقيا ومصر والعراق وإيران، وكذلك في اليمن وتونس والمغرب، وهناك نوع آخر من البيوت ذات الحوش الداخلي المحفور تحت الأرض، وهذا النوع معروف منذ 3000 عام قبل الميلاد، وما زلنا نرى هذا النوع إلى الآن في أصفهان بإيران، وأماكن أخرى في تونس، وهذا النوع من البيوت ذات الحوش المبنية باللبِن له ميزة مهمة جداً وهي الحماية من حرارة الجو. وقد بنيت المنازل في نجد القديمة بهذه الطريقة، حيث تخطيط المبنى مستطيل أو مربع، ويتكون من طابقين أو أكثر، وتطل الغرف على الفناء ذي الأعمدة.

وتقع نجد في منطقة صحراوية حارة؛ ولذلك روعي في تصميم المباني أنها قد صممت لتوفير التهوية الطبيعية، وأن تستفيد بطرزها المعمارية من نسمات الليل، وكذلك عرف البناؤون أن هناك طرقاً لعزل حوائط المباني عن الحرارة، ولذلك جاء الطين ليكون الحل الأمثل لهذا النوع من المباني. وقام أهل نجد بما قام به المهندس المعماري العملاق حسن فتحي عام 1940 من استعمال الطين في البناء ليجعل العالم يشيد بهذه التجربة؛ والتي تبعدهم تماماً عن استعمال الخرسانة. واستعمال الطين بلا شك يساعد على عزل الحرارة عن الداخل، وكذلك من المعروف أن المباني المبنية بالطين تنخفض داخلها درجات الحرارة بشكل كبير في المساء. واستغل النجديون أسطح المنازل بشكل كبير في ليالي الصيف الحار، وفي الوقت نفسه كان بناء الحوش في المنزل البحري بمثابة المهبط للهواء، مما يساعد على تبريد الغرف في الطابق الأسفل، وبلا شك ترتفع حرارة أرضية الحوش المكشوف بسرعة خاصة عندما تضربه الشمس أثناء النهار، ولذلك قام النجديون بوضع رواق من الأعمدة في الحوش بغرض تظليل جدران البيت المطلة على الحوش من أشعة الشمس المباشرة. والملاحظ في طراز المباني هو وجود مدخلين وحمامين، وعموماً يستخدم الطابق الأرضي للتخزين، ويتميز بوجود حجرة استقبال للضيوف مجاورة للمدخل. وفي البيت الريفي النجدي نجد أن هناك بساتين نخيل وهي تلعب دوراً كبيراً في الراحة التي يحس بها أهل البيت في الداخل، حيث يساعد النخيل على التخلص من الرمال والأتربة، إلى جانب فوائده الأخرى المتعددة.
وبالطبع هناك عدد من المشكلات للبناء بالطين بديلاً عن الحجر، أهمها ضرورة عمل إصلاحات دورية للمبنى، وتقوية وعزل الجدران التي لا تصمد طويلاً لعوامل التعرية وخاصة العواصف والسيول، ولذلك نجدهم يقومون باستعمال التبن الذي يساعد على ربط وتماسك الطين ومنع تآكل الأسطح بسبب الأمطار، وسوف نجد أيضاً أن بعض قرى نجد ومدنها قد نجحت في بناء أبراج طينية، وكذلك مآذن عالية مستديرة، كما توصلوا - ربما عن طريق التجربة ومراعاة الطبيعة - إلى إضافة عناصر معمارية بالمبنى، وكذلك مواد مع الطين تساعد على إطالة عمر المباني.
بالتأكيد تشهد المملكة العربية السعودية تحديات كبيرة من أجل الحفاظ على تراثها المعماري القديم من الاندثار تحت وطأة التغيير ومتطلبات العصر؛ ومن هنا كان التخطيط ووضع الرؤى المستقبلية وتوفير الإمكانات والإرادة هو المفتاح للحفاظ على تراث المملكة.