حمد الكعبي

بعد أن كانت طموحات شباب القارة السمراء وأحلامهم الوردية ترتبط بأول وثبة لهم من مراكب الهجرة إلى شواطئ الدول الأوروبية بحثاً عن فرصة عمل ورسم طريق للمستقبل، أصبحت أنظار بعض البائسين اليائسين، وفاقدي الأمل والعمل، تتجه إلى الدوحة اللاهثة وراء تجنيد المرتزقة الباحثين عن عمل من الدول الأفريقية لزيادة عدد جيشها، ولتجنيدهم أيضاً للقيام بالعمليات التخريبية التي تخطط لها في تلك الدول الفقيرة، أو للتحكم في مفاصلها واستخدامها ضمن أجنداتها التآمرية، وكذلك طمعاً في الموقع الاستراتيجي لبعض تلك الدول، وخاصة منها الصومال المطل على خليج عدن الذي يعد مدخلاً حيوياً إلى البحر الأحمر.

وقد وجدت قطر موقع الصومال من أكثر المواقع أهمية بالنسبة للجزيرة العربية، وبالتحديد بالنسبة للحرب في اليمن، خاصة بعدما طردت دول المقاطعة نظام الحمدين من التحالف في اليمن بعد انكشاف ألاعيبهم، فسارت مسرعة لاستغلال حاجة الشباب الصومالي بهدف تجنيدهم حتى يكون لها موطئ قدم في تلك المنطقة المهمة والسواحل الاستراتيجية.

وكما سعت قطر وتسعى دائماً لاستثمار مشاكل وقلاقل بعض الدول الأخرى في القارة السمراء، فقد بدأت في تجنيد مقاتلين من الصومال، التي تمزقها الحرب، ويأتي ذلك لتعزيز قواتها المسلحة بعد مقاطعة دول عربية على رأسها مصر والسعودية والإمارات والبحرين، لنظام الدوحة بسبب دعمه للإرهاب. وليس مستغرباً مثل هذا السعي الرخيص لاستغلال ظروف الصومال، فقد استطاعت الدوحة بسياستها الخبيثة تحويل فهد ياسين، الصحفي الصومالي في قناة الجزيرة، في غضون أعوام معدودة إلى إحدى شخصيات الظل المتحكمة في القرار الصومالي، وذلك بشتى وسائل سياسة شراء الذمم والولاءات التي لا يعرف نظام الدوحة سواها، وبهذه الطريقة دعمت المدعو فهد ياسين للوصول إلى القصر الرئاسي لمعرفة ما يدور في أروقته، وتسويق أجندتها في الصومال من خلال دعم بعض الأفراد الذين انضووا تحت حركة «الشباب» الإرهابية.

هذا بالإضافة إلى تجنيد عدد من الضباط في الجيش الصومالي لتسهيل عملية التغرير بفقراء الشباب الصوماليين الباحثين عن عمل. ولم تقف الدوحة عند حد استنزاف الشباب الصومالي والزج بهم في اضطراباتها وعملياتها المشبوهة، وأجنداتها المسمومة، بل راحت أيضاً تلوح بتمزيق أوصال الصومال نفسه، وتفتيت وحدة شعبه، من خلال اللعب على الحبال في مدينة «جاروي» التي تقع في شمال شرق الصومال بمنطقة بونتلاند، بدعمها للوصول إلى حكم ذاتي، أو بعبارة أخرى: للبحث عن أية نزعة انفصالية هناك للنفخ فيها، كما نفخ تنظيم الحمدين من قبل في كير الفتن حيثما حلت دبلوماسية الكوارث وإشعال الحرائق التي يتخبط فيها، وينشر بها الإرهاب في كل مكان.

وتدفع قطر للشباب المرتزقة آلاف الدولارات للجندي بعد التدريبات العسكرية، وقد وجدت في حاجة الصوماليين إلى العمل فرصة للغدر والتغرير، واعتبرتهم لقمة سائغة لها، لفرض سيطرتها وإملاء قراراتها والتدخل في شؤون بلادهم المنهكة بما يضمن تحقيق مطامعها وأهدافها البغيضة في المنطقة.

وبالطبع فإن المدعو «ياسين» ليس هو الوحيد الذي حصل على دعم من قطر، بل هناك أيضاً العشرات من الإرهابيين الصوماليين الذين تدربوا على يد حركة «الشباب» الصومالية الإرهابية، وانطلقوا بأيديولوجياتها وظلامها إلى العالم رغبة في ضرب استقرار الدول والمجتمعات الآمنة القريبة والبعيدة. والراهن أن اصطفاف مئات الأفراد الصوماليين أمام الإرهابي «سعيد أتم» والآخر «فهد ياسين»، تمهيداً لإرسالهم إلى قطر إنما يذكر بالمآلات الفاجعة التي انتهى إليها بعض ضحايا الهجرة السرية وقوارب الموت والاتجار بالبشر، إذ لا ينتظرهم سوى مصيرهم المحتوم المشؤوم. ولئن كانت هجرة بعض الشباب الأفريقي اليائس إلى القارة العجوز محفوفة بمخاطر الطبيعة وتلاطم أمواج البحر، فإن هجرتهم إلى الدوحة ستكون أشد خطراً عليهم بكثير، وذلك لأن النظام القطري إنما سيدفع بهم في محارق الخراب والإرهاب، وسيحولهم إلى مرتزقة ضد بلدهم الصومال ودول المنطقة. وفي النهاية سيكون مآلهم كمآل كثير من سابقيهم من المرتزقة والعناصر الإرهابية التي جندتها الدوحة ورعتها، وسمتها مرة «القاعدة» ومرة «داعش» ومرة «الإخوان» ومرة «النصرة» ومرة «فجار ليبيا» ومرة «أنصار الشر»، ووظفت كل جموع الأشرار تلك في مؤامراتها ضد دول وشعوب المنطقة والعالم، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)، فقد خابت كل تلك المؤامرات والمناورات وخرج منها نظام الدوحة بخفي الحمدَين! ودحرت جموع الأشرار والإرهاب، وانفضح نظام الدوحة الذي حول بلده إلى دولة منبوذة وراعية للإرهاب، وعاد من مغامراته بسوء المنقلب والإياب.