محمد السعيد إدريس

لم تحسم زيارة ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي لأنقرة الجمعة الماضية الخلافات المتصاعدة بين تركيا والولايات المتحدة التي وصلت بالعلاقات بين البلدين إلى «نقطة حاسمة»، حسب وصف تيلرسون. فهذه الزيارة لم تغير كثيراً في تلك الخلافات، وبالتحديد لم تغير كثيراً في التقييم التركي للإدراك الأمريكي للصراع الدائر في شمال سوريا بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، وأجنحته العسكرية «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب»، التي تعتبرها تركيا إرهابية، وجزءاً لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني التركي، وبالذات عقب تصريحات أدلى بها جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي قبل أيام من وصول تيلرسون إلى أنقرة، تحدث فيها عن الفصل بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» وبين «حزب العمال الكردستاني التركي». هذه التصريحات كانت مثار سخرية نظيره التركي نور الدين جانيكلي في رده الذي قال فيه إن «حزب الاتحاد الديمقراطي» لا يستطيع أن يحارب «حزب العمال الكردستاني»، كما اقترح ماتيس، لأن الذيل لا يستطيع أن يحارب الرأس، والفروع لا يمكن أن تحارب مركز القيادة الذي يصدر الأوامر إليها.

تصريح ماتيس اعتبرته تركيا محاولة أمريكية لتبرير انحياز واشنطن وتحالفها مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي وأجنحته العسكرية من دون اعتبار للأمن القومي التركي، ولمصالح تركيا كحليف استراتيجي للولايات المتحدة، خصوصاً مع تركيز واشنطن على تدريب وتسليح تلك الأجنحة العسكرية الكردية، وإعلانها مؤخراً تشكيل جيش من قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب «لحماية الحدود السورية مع العراق وتركيا»، وهو الأمر الذي اعتبرته أنقرة تأسيساً أمريكياً لكيان كردي سوري على الحدود الجنوبية التركية.

استقبلت أنقرة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بهذا الإدراك، وبكل تراكمات الخلافات التركية مع السياسة الأمريكية في سوريا، لذلك كانت أنقرة واضحة وصريحة في طلب انسحاب قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب الكردية من مدينة منبج الواقعة في غرب نهر الفرات. وفي الوقت نفسه، تصر تركيا على دخول قواتها المشاركة في «عملية غصن الزيتون» التي تقاتل في عفرين إلى مدينة منبج، بعد إكمال السيطرة على عفرين، الأمر الذي تعارضه الإدارة الأمريكية، وتطالب أنقرة بأن تكون عمليتها في عفرين محدودة في الزمان والمكان، الأمر الذي ترفضه تركيا، ما جعل خطر احتمال وقوع صدام عسكري تركي- أمريكي في منبج قائماً.

جاء تيلرسون وهو يدرك أنه مطالب بأن يجيب عن سؤال حول كيفية تفادي وقوع مثل هذا الصدام، لكنه يدرك أيضاً العديد من الاعتبارات، أولها المصالح الاستراتيجية والاقتصادية خاصة النفطية، للولايات المتحدة في سوريا في ضوء استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة التي وضعت كلاً من روسيا وإيران على رأس قائمة الأعداء ومصادر التهديد. لذلك تسعى واشنطن إلى تثبيت وجودها العسكري ونفوذها السياسي في القطاع الشرقي لنهر الفرات، وإقامة ما يشبه دويلة أو كياناً انفصالياً في منطقة الجزيرة السورية مصدر الثروة النفطية، وسلة الغذاء لسوريا، عبر إعلانها العمل على تشكيل جيش مؤلف من 30 ألف مقاتل قوامه الأساسي وحدات حماية الشعب الكردية، مهمته الانتشار على طول الحدود السورية مع تركيا والعراق على الضفة الشرقية لنهر الفرات، إلى جانب دعمها وتأمينها قاعدة «التنف» في الجنوب الشرقي من سوريا التي تضاف إلى ثمانية قواعد عسكرية ومطارات منتشرة في المحافظات الثلاث لتلك المنطقة: الحسكة والرقة ودير الزور. 

وكان التفسير الأمريكي لهذا الهجوم أنه أولاً دفاع عن النفس، وثانياً لأن القوات الموالية للنظام السوري كانت تريد استعادة النفط والغاز من الأكراد.

ثاني هذه الاعتبارات التحسب الأمريكي للتقارب الروسي مع تركيا، حيث تعرف واشنطن مدى الحرص على الإحلال محل الولايات المتحدة كحليف لتركيا، وتعرف أن التحالف الروسي- التركي يمكن أن يقود إلى تحالف تركي- إيراني.

أما ثالث هذه الاعتبارات فهو إدراك واشنطن أن تركيا تريد من «غصن الزيتون» استكمال ما بدأته في عملية «درع الفرات» التي بدأتها 2016 وتوقفت عند أبواب منبج، وأن تركيا تريد حصتها من سوريا، هذه الاعتبارات دفعت الإدارة الأمريكية عبر زيارة تيلرسون الوصول إلى حل وسط مع تركيا بخصوص منبج. قد يكون تيلرسون حقق بعض النجاحات في لقائه مع الرئيس التركي وعبر عن ذلك بقوله إن «الولايات المتحدة وتركيا لن تتحركا بعد الآن كل بمفردها»، لكن تركيا اقترحت على الولايات المتحدة انسحاب الوحدات الكردية من شرق نهر الفرات، وأن تتمركز قوات تركية وأمريكية في مدينة منبج، وهو الاقتراح الذي لم يستطع تيلرسون الرد عليه، رغم إعلانه عن توصل البلدين إلى «آلية مشتركة».