يوسف الكويليت

كما أثار العراق بانقلاباته وحروبه الخارجية والداخلية، وانقساماته الاجتماعية بين مكونات شعبه، يثير ضجة أخرى حول إعادة إعماره بعد تلك النكبات..

طالبت الحكومة العراقية مبلغ (88) مليار دولار، وحصلت بعد مؤتمر الكويت على (30) مليار دولار، الممانعون، رأوا أنه في بيئة فاسدة نهبت أمواله، وهدمت استقراره الداخلي، والتدخلات الخارجية، تجعل منه طارداً للاستثمار الخارجي إلى جانب أنه بالأرقام الإحصائية لاحتياطياته النفطية كخامس بلد في الترتيب العالمي، ووجود الأنهر والأرض الزراعية، والطاقات البشرية، فإن سلطاته لم تحسن إدارة هذه الموارد لبلد يعد غنياً بكل المقاييس..

الغريب في الأمر، أن الدول التي ساهمت بجمع هذه المبالغ، لا تجد لإيران أي دور، إلاّ الصمت وهي من قامت بتدميره، أسوة بداعش، وهذه دلالة على أن من خدعوا بطروحاتها، وتمثيلها دور المسلمين الشيعة يضعها في دائرة الاتهام، أي أن إسلامها مقنع بمطامع إقليمية وسياسية تحت مظلة المذهب، وهذا يحرر السلطة العراقية مما تدعي وصايتها على وطنهم ومقدراته البشرية والمادية..

الجانب الآخر، هناك من يطرح الأسئلة حول إدارة هذه الأموال وسط شكوك بأن دائرة الاتهام بالفساد لا تستثني أحداً سواء داخل الحكومة أو الأحزاب والجماعات، وبالتالي هل يتولى صندوق النقد الدولي الإشراف على إعمار العراق، أم الأمم المتحدة، أم هيئة دولية لها صلاحية الممول والرقيب؟

ستكون دول مجلس التعاون الخليجي المساهم الأول في الفاتورة الكبيرة، وبدون حساسيات من الماضي بتداعياته ومآزقه، لأن بناء العراق يعني تأسيس أمن جديد وتعايش شعبي والدليل أن الكويت المستضيف للمؤتمر لم تفتح ملف غزوه لها ولا ما نال السعودية من أضرار وخسائر في تحريره، لأن ذلك يعد من الماضي بأسبابه وحوادثه تماماً كما هي أوروبا بعد الحربين الكونيتين حين سعت إلى استشراف المستقبل، بدل البكاء على أطلال ما دمرته الحربان..

بعض الدول العربية، ومنها العراق ليست مطمئنة لسير الاستثمارات الخارجية لسوء أسباب ما أشرت إليه من فساد، أو سوء إدارة وأنظمة تقليدية لم تعد تحاكي العصر، كذلك الضمانات التي يدعمها قضاء واضح، لأن المستثمر يبقى حذراً، وهذا ما أخر التنمية بالبلاد العربية، أسوة بدول جنوب شرق آسيا..

الموقف السياسي يبقى مهماً، فتحرير العراق من وصاية إيران يحتاج إلى قرارات تجعله يملك مصيره، سواء بعقد ملزم بين الجماعات المتنافرة، أو التي تبني تحالفاتها على أساس طائفي، لأن التعامل مع عراق موحد ومستقل يسهل مهمة المانح والمستثمر، أما أن يتعامل مع أجنحة متصارعة، فهذا لا يتوافق مع أي منطق، وتبقى المسؤولية كبيرة على الحكومة، ومثلما ترغب الدول المانحة إعادة عراق محصن بأمنه وسياساته الداخلية والخارجية، فإن مطالب الآخرين تريدها واقعاً لا أماني، أو أحلاماً.