سمير عطا الله 

إذا كنت من المعجبين بآثار ميخائيل نعيمة، فإنك لاحظت أن اسمه ارتبط أكثر ما ارتبط باسمين: رفيقه في المهجر، جبران خليل جبران و... الشخروب! وهذه كلمة عامية تشير إلى مكان في القرى، لا هو بيت كالبيوت، ولا منزل كالمنازل، ولا كوخ كالأكواخ، ولكنه جزء من حياة بعض أهل القرى. أو منعزل في أراضيهم. أو اسم بقعة من بقاع أملاكهم.


وقد أصبح «شخروب» نعيمة، حيث ينصرف إلى العزلة والكتابة، اسم علم مثل عائلته ومؤلفاته. وعندما وضع مذكراته «سبعون» حاول أن يعرِّف قراءه بما كان «مشغله» الكتابي طوال عمره، فوصفه بأنه «مثلث تحصره من الغرب والشرق ساقيتان تلتقيان إلى الجنوب في واديه، ومن الشمال سلسلة من الصخور الشاهقة تتخللها بعض الفجوات (...) وتنحدر أرضه انحداراً سريعاً إلى الوادي (...) وتكثر صخوره الهائلة والصغيرة، وكلها كلسية رمادية اللون (...)، من تحت تلك الصخور الباسقة تمر قناة نبع صنين: (ولَكم جلست في حداثتي على حافتها أبرِّد في مياهها الصاقعة يدي ووجهي ورجليّ)».
ترك نعيمة يافعاً عالم الشخروب القاسي والصلب الذي سرعان ما تجتاحه البرودة في الخريف وهو على علو 1500 متر، ثم تهبط عليه الثلوج من جبل صنين المحاذي، حيث تبقى طوال فصول السنة. من «الشخروب» سافر إلى الناصرة في فلسطين لينخرط في المدرسة الابتدائية، ومن فلسطين إلى روسيا، حيث دخل أحد معاهد أوكرانيا، ومن روسيا إلى الولايات المتحدة حيث درس الحقوق في جامعة سياتل، وبعدها انضم إلى أشقائه في أعمالهم، ومن ثم انتقل إلى نيويورك ليعمل موظفاً بسيطاً، وفي الوقت نفسه، انضم إلى «الرابطة القلمية»، أشهر تجمع عربي في بلدان الاغتراب.
العام 1930 توفي جبران خليل جبران، والعام 1932 قرر نعيمة ترك كل ذلك العالم، من الناصرة إلى روسيا إلى نيويورك، وعاد إلى عالم الشخروب وصخوره الرمادية والتأملات الأدبية التي جعلت منه واحداً من أبرز أدباء العرب.
كان في قرارة نفسه يأمل أن يتجاوز مرتبة رفيقه جبران في الأدب العربي والعالمي. بل حاول مثله أن يحترف الرسم وأن يكتب الشعر وأن يطلق الحِكَم. لكن الفارق ظل هائلاً، سواء في حياتهما أو ما بعدها. عاش جبران 48 عاماً وما زال كتابه «النبي» إلى اليوم بين الكتب الأكثر مبيعاً في العالم. لكن نعيمة، الذي توفي متجاوزاً التسعين، لم يستطع اختراق الإطار العربي.
ربما كان أحد أسباب ذلك: «الشخروب»، أي حب العزلة وعدم الخروج إلى الناس. أو ربما كان هذا نصيبه من الحياة الأدبية. وهو لم يكن قليلاً في أي حال.