خالد بن حمد المالك

 جاءت زيارتنا -الوفد الإعلامي- للعراق تلبية لدعوة من نقابة الصحفيين العراقيين إلى هيئة الصحفيين السعوديين، وما صاحبها من تواصل بيني وبين نقيب الصحفيين العراقيين الزميل مؤيد اللامي للترتيب للزيارة، وأن تكون ملبية لرغبتنا في لقاء كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء وغيرهم، وهو ما تم فعلاً، وكان علينا في المملكة أن تتم الترتيبات هنا للتأكد من استعداد الزملاء رؤساء التحرير لزيارة العراق في ظل أجواء تتحدث عن أن العراق لم يستكمل بعد عافيته، وأنه ليس مهيئاً أمنياً بما فيه الكفاية لزيارته بوفد إعلامي كبير في الوقت الحاضر، ومع أن العلاقة بين المملكة والعراق بتقلباتها المعروفة لم تعد سراً، فقد كان من الضروري أن لا يشوب الزيارة أي خوف من الفشل بعد أن تحسنت العلاقة الثنائية بين بلدينا، وأن لا يكون هناك أي تردد في المضي بها إلى آفاق أفضل.

* *

حين وصولنا إلى مطار بغداد، وقبل أن نأخذ طريقنا إلى مقر السكن، استقبلتنا بغداد بجو غائم يكسو العاصمة مع حبات من مطر خفيف، وفي هذا الطقس الربيعي الجميل كان على رأس مستقبلينا في المطار السفير السعودي عبدالعزيز الشمري ونقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي وآخرون من الإعلاميين وموظفي الدولة الرسميين، وكان واضحاً الاهتمام العراقي بالزيارة والحفاوة الكبيرة التي سوف تصاحبها، والشعور العراقي بأن هذه الزيارة تعد إنجازاً كبيراً لدعم التوجه الجديد في إعادة العلاقات السعودية - العراقية إلى مسارها الصحيح، وأن الرياض وبغداد تمران الآن في مرحلة متقدمة في علاقتهما، وقد أصبح من الواضح أن هذه الثنائية في العلاقات لها طابعها المتميز، ولابد في هذا الشأن من الإشارة إلى مساندة وتشجيع ودعم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد لإنجاح هذه الزيارة بما وفره من دعم وتحفيز ومتابعة.

* *

على امتداد الطريق من مطار بغداد إلى مقر سكن الوفد الإعلامي السعودي في فندق المنصور، وهو الفندق نفسه الذي كان يعقد فيه محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي في حكومة صدام حسين مؤتمراته الصحفية (النارية) خلال الغزو الأمريكي للبلاد، مبشراً بهزيمة القوات الأمريكية الغازية، وما كان يطلق عليهم من صفات التحقير والاستهزاء، وكان من بين أشهر الكلمات التي كانت ولا زالت تتداول وتتردد على ألسنة العراقيين وغير العراقيين وصفه لهم بـ(العلوج)، وهي نوع من الديدان تلتصق بجسم الإنسان فتمتص دمه كما هو معناها على لسان الصحاف، وقد استخدمها الصحاف ازدراءً بهم وانقاصاً من كفاءتهم وقدرتهم على هزيمة العراق، وبالتالي إسقاط نظام صدام حسين، غير أن ما حدث كان انهياراً غير متوقع للجيش العراقي وهزيمة مذلة لنظام صدام حسين، وعلى امتداد هذا الطريق كان الوضع طبيعياً كما تبين لنا، ما يعني أن الزملاء في الوفد الإعلامي كانوا على حق حين لم يلقوا بالاً لما يُقال عن الأجواء الأمنية غير المؤكدة، وكان الزملاء على حق أيضاً حين حرصوا على أن يكونوا ضمن الفريق في الطائرة المتجهة بهم معاً ومباشرة إلى بغداد.

* *

في طريقنا إلى الفندق، لاحظنا مشاهد لمواقع كثيرة محصنة ضد الإرهاب، وهذه التحصينات الكثيرة هي لحماية بغداد منهم، وقيل لنا إن هذه المصدات التي ترونها هي من صنع الحاكم الأمريكي (ابرايمر) بعد أن استلمت القوات الأمريكية كل مفاصل الدولة إثر هزيمة نظام البعث، وتحكمت بكل القرارات فيها، وذلك بعد أن سلم جيش صدام حسين بالهزيمة، ثم برفع الرايات البيضاء، لينتهي بذلك حكم حزب البعث في العراق إلى الأبد، وبالتالي يكون صدام حسين ونظامه ضمن تاريخ العراق الحافل بكل ما يخطر أو لا يخطر على بال إنسان.

* *

هذه صورة مبسطة للانطباع الأول عن بغداد، كل التخوفات عن الأمن في العراق بددته المشاهد التي رافقتنا من المطار إلى مقر السكن في فندق المنصور الشهير، وهو فندق خارج المنطقة الخضراء المحصنة أكثر، والتي تخضع لرقابة شديدة جداً لمن يدخلها أو يغادر منها، حيث يقيم فيها الرؤساء الثلاثة وكثير من الوزراء والمسؤولين، وكذلك توجد هناك مقرات ومكاتب أجهزة الدولة، وقد تعمد الإخوة في العراق أن تكون إقامتنا خارج المنطقة الخضراء، لكي لا نكون منفصلين عن المجتمع العراقي، وبعيدين عن حركة الشارع، ونبض الحياة في العاصمة العراقية.