سمير عطا الله

 هذه الحلقة الثانية من وصف إحراق طوكيو:

كان البدر هلالاً تلك الليلة، فيما قاذفات «بي - 29» تقترب من حي «جوتو» ذي الكثافة السكانية العالية؛ أكثر من أربعين ألف ساكن في الميل المربع الواحد. بدا للمراقب هناك أن الطائرات تحلق الآن على علو يقل آلاف الأقدام عما كانوا قد تعودوه. فالطائرات الأميركية كانت تهاجم عادة من ارتفاع يزيد على خمسة آلاف ميل. أما قاذفات «بي - 29»، فهي الآن على ارتفاع لا يزيد على ميل واحد فوق المدينة.
داخل الطائرات الأميركية، كانت تنتشر موجة من الأدرينالين تمسح بقايا الملل الذي يصاحب الرحلات الليلية الطويلة إلى طوكيو. كان الوصول إلى طوكيو يحتاج من الأميركيين إلى سبع ساعات طيران، بعد إقلاعهم من سايبان أو تينيان أو غوام. وفي تلك الليلة، كانت ثلاثمائة وثلاث وأربعون طائرة تابعة لجناح القاذفات الحادي والعشرين تحلق فوق المحيط لألف وخمسمائة ميل لتسقط حمولتها فوق طوكيو. وكيما تتسع الطائرة لطن إضافي من القنابل، جرى تجريد كل طائرة من رشاشاتها وذخيرتها، ما يترك ذلك البرج الضخم الطائر لقمة سائغة للأسلحة اليابانية المضادة للطائرات. وكانت صدمة الطيارين والملاحين كبيرة حين اكتشفوا ذلك متأخرين في أمر العمليات. لقد كانت مقامرة محسوبة من القائد الأميركي الجنرال كيرتس لوماي، الملاح ذي الثمانية وثلاثين عاماً في الميدان، «المتوحش» أو «الدموي» بنظر البعض، ولكن المعروف على نطاق واسع بذكائه التكتيكي. ومع استمرار المواجهة الدموية حول «أيو جيما»، اعتقد لوماي أن كسر إرادة الشعب الياباني هو الآن أكثر أهمية من قصف أي أهداف عسكرية.
في الواحدة فجراً، كان الطيارون يفتحون أبواب خزانات القنابل على مصاريعها. وبعد 14 دقيقة، كانت طوكيو تشتعل؛ إنه الجحيم. فقد أسقطت قاذفات «بي - 29» من بطنها نوعاً خاصاً من القنابل الحارقة.
هذا القصف بالقنابل الحارقة لطوكيو، المعروف بعملية «ميتينغ هاوس»، هو الأكثر رعباً في التاريخ، ويفوق تدميراً وقتلاً هجمات درسدن، التي كانت قد حدثت قبل وقت قصير - أو أي قصف آخر في الحرب العالمية الثانية. لقد رسم التدمير الجوي الجماعي الذي حدث في الحرب العالمية الثانية شكل التدمير الذي ستتخذه الحروب في المستقبل. أما القنبلة النووية، فكانت على وشك أن تصبح تحت الاختبار. وجهاز «إم - 69» الذي استخدم مع سكان طوكيو هو عبارة عن أنبوب من الفولاذ بسماكة 21 إنش، مغلف بمادة من الغازولين تعرف بالنابالم.