عبدالله فدعق

الكل قد انكوى بنار الإرهاب التي أشعل شرارها أنصاف المتعلمين، وأنصاف المثقفين، وأصحاب الغيرة الكاذبة، والحماسة المذمومة، الذين ولّدوا في المجتمعات مختلف الأفكار العنيفة التي صنعوا بها هذه الآفات، ونشروها على مستوى العالم أجمع

يعتبر المجلـس الأعلى للشـؤون الإسـلامية بجمهورية مصر العربية الشقيقة، أحد القطاعات التابعة لـوزارة الأوقــاف هناك، وتم إنشاؤه قبل ستين سنة تقريبا، بغرض تقديم ثقافة الإسلام، الوسطية والمعتدلة والمستنيرة، لعموم المسلمين في داخل مصر، وفي العالم العربي والإسلامي، ومن أبرز مناشطه العلمية إقامة مؤتمر سنوي عالمي، لمناقشة قضية حيوية من القضايا التي تهم المعنيين بالأسس السليمة التي تراعي حقوق الأفراد، ولا تهمل شأن المجتمع، وهذا ما رأيته قبل أيام في المؤتمر العام الثامن والعشرين الذي انعقد في القاهرة، بعنوان «صناعة الإرهاب ومخاطره وحتمية المواجهة وآلياتها»، بعد أن رأيته في المؤتمر العام الثالث والعشرين، قبل أربع سنوات من الآن، والذي ناقش «خطورة الفكر التكفيري والفتوى من دون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية».
المؤتمِرون خرجوا بتوصيات جادة، حازت إجماعا عاما، وشخصيا أعيد ذلك إلى رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وإلى عناية رئيس المؤتمر، الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وصاحب البصمات الواضحة في مكافحة الفساد الفكري، والذي أكرمه الله بهمة عالية، يشهد له بها من يتابع خطواته العملية، ولعلي هنا أتوقف عند بعض التوصيات الجريئة في نظري، وأهمها تلك التي نصت على «التأكيد على أهمية الوسطية والاعتدال، وعدم الذهاب إلى النقيض الآخر من الإلحاد والانحلال الأخلاقي، حيث إن هذه الانحرافات تسهم في تدمير المجتمع من داخله، وتعبد الطريق أمام الإرهاب وتقوي حجج الإرهابيين المتاجرين بالدين»، وتوقفي عائد إلى أن البعض يتفنن في محاربة التشدد والتطرف والغلو، ويغمض عينيه عن خطر آخر، لا يقل فداحة عنه، وهو الانحلال الأخلاقي، والانحطاط السلوكي الذي ألقى بظلاله على المجتمعات، والذي لم يأت هو الآخر من فراغ، بل بصناعة وإفساد، فكما أن من الواجب المتعين مواجهة العنف والإرهاب، فكذلك ينبغي أن يكون الأمر مع التسيب والانفلات القيمي، فكلاهما خطر على أمن الناس وسلامتهم، كما جاءت التوصية الأخيرة من التوصيات جريئة أيضا، إذ أكدت على: «أن يكون موضوع المؤتمر القادم بعنوان: الدولة ونظام الحكم»، وهي توصية وإن كانت ستسهم في دحض افتراءات وأباطيل الإرهابيين المتعلقة بهذا الأمر.
أعود إلى موضوع المؤتمر الحالي، لأختم بحقيقة لخصها بالقول الشيخ الدكتور توفيق السديري، نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والمشهود له بالحكمة والحنكة في تناول ما يهم الشأن الديني المحلي: «بإمكاننا أن نصف الإرهاب ونحدد أوصافه وملامحه وماهيته، وهو أسهل من أن نتفق على تعريف محدد له»، ووجدت في ذلك أبلغ رد على من يسرف في البحث عن تعريف حرفي لكلمة الإرهاب، غير عابئ بحقيقة أخرى مهمة، وهي أن الكل، وفي كل العالم، قد انكوى بنار الإرهاب التي أشعل شرارها أنصاف المتعلمين، وأنصاف المثقفين، وأصحاب الغيرة الكاذبة، والحماسة المذمومة، والعاطفة غير الصحيحة، الذين ولَّدوا في المجتمعات مختلف الأفكار العنيفة، التي صنعوا بها هذه الآفات، ونشروها على مستوى الدول العربية، والإسلامية، والعالم أجمع.