نبيل عمرو

 منذ تأسيس منظمة التحرير، وإلى أن رحل ياسر عرفات، كان هنالك مرشحون تلقائيون لخلافة الرئيس.

في الأيام الأخيرة للشقيري كان المرشح التلقائي ياسر عرفات وهذا ما حدث، وفي الأيام الأولى والأخيرة كان المرشح التلقائي لخلافة عرفات رجل اصطلح العالم على تسميته بالرجل الثاني... صلاح خلف «أبو إياد»، ومرشح يقف خلفه وكان من كبار الساسة والمثقفين العرب واسمه خالد الحسن «أبو السعيد»، وحين توفي الرجلان وشيعهما ياسر عرفات، صار المرشح التلقائي محمود عباس، بفعل كونه واحداً من التاريخيين المؤسسين، وأضيف إلى ذلك ميزة ربما تكون الأهم، وهي قيادته للمحادثات السرية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو، ومَن غير قائد هذه العملية يصلح ليخلف عرفات، لتنفيذها أو إنقاذها من الانتهاء.

وبسلاسة لا يحدث مثلها حتى في أهم الديمقراطيات الغربية، حلّ عباس محل الراحل عرفات في كل المهام التي كانت مسندة إليه وهي على الأقل أربع رئاسات دستورية.
الوضع هذه الأيام اختلف كثيراً بل وكثيراً جداً، فلم يعد عند الفلسطينيين مرشح تلقائي، ولم يعد لديهم مجلس تشريعي قريب من البرلمان، وحتى منظمة التحرير التي فتكت بها الانقسامات والانهيارات، لم تعد مؤهلة لاختيار خليفة محسوم، وهذا الوضع فتح الباب واسعاً أمام كل من له صلة بالوضع الفلسطيني، كي يستنتج وفق فهمه من سيكون الرئيس الخليفة، وكيف يمكن أن يتم اعتماده، وفي هذا السياق طرحت أسماء كثيرة ووضعت سيناريوهات لمصلحة هذا الاسم أو ذاك، وسربت أخبار، وفي بعض الأحيان صريحة، حول رغبة دول معينة بمرشح معين، فتشكلت على الفور معارضة شعواء لمن اقترح اسمه، وتكاثر الذين يقفون على رؤوس أصابعهم للدخول في بازار الرئاسة، فكان أن جرى تضليل فوضوي للشعب الفلسطيني الذي يسأل كالآخرين عن الخليفة، وتضليل للكثير من الدول التي تظن أجهزة مخابراتها أنها متمكنة في معرفة الكيمياء الفلسطينية، بينما واقع الأمر يقول إن كل شيء معروف عن الفلسطينيين إلا كيمياء توليد الزعامات وتكريسهم.
ما العمل إذن؟ صار بديهياً أن الرئيس الفلسطيني ليس صناعة فلسطينية خالصة، وأن هنالك ناخبين غير الفلسطينيين لهم دور فعّال بنسبة ما في من يكون وحتى كيف يعمل، والناخبون غير الفلسطينيين هم المؤثرون في المعادلة السياسية التي قد تتبلور بصورة أوضح حين يطرح المشروع الأميركي للتسوية، غير أن هؤلاء الناخبين وهم دول وأجهزة وقوى لا يستطيعون وضع العربة أمام الحصان فهم بحاجة إلى شرعية فلسطينية يسترون بها تدخلهم في هذا الأمر، وهذه الشرعية لا تكون بالتوريث أو التعيين أو التلفيق، بل لها مدخل واحد ووحيد هو الانتخابات العامة، فلا مصداقية لرئيس إلا إذا حظي بهذه الشرعية التي تشكل الجزء الأول من المعادلة أما الجزء الثاني فهم الناخبون من غير الفلسطينيين، ودورهم في هذه العملية أن يضمنوا انتخابات حقيقية، وأن يمكنوا الرئيس المنتخب من أن يكون رئيساً حقيقياً بدعمه بعد انتخابه، ومعروف أن المحيط هو من يوفر للرئيس قدرة معقولة على أن يكون رئيساً فعالاً.
ليس أمام الفلسطينيين والمهتمين بشأنهم إلا أن يعتمدوا هذه الصيغة، فلا مصداقية لرئيس لا يأتي من خلالها.
المجلس الوطني الفلسطيني المنهك والمتعب سينعقد خلال شهرين، وهو على أي حال الشرعية الدستورية المتبقية من كل الشرعيات الفلسطينية، وبمقدوره أن يحسم هذا الأمر بتحديد موعد إلزامي لانتخابات رئاسية وتشريعية، وعلى من يرغب في رؤية شريك فلسطيني حقيقي أن يدعم هذا الاتجاه وإلا سيجد الجميع نفسه أمام فوضى قيادية لا يعرف أحد متى وكيف تعالج.