جميل الذيابي

تسلط الزيارة التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لبريطانيا الضوء على قوة مسار العلاقات السعودية البريطانية التي تعود إلى ما قبل فتح سفارة بريطانية في المملكة في عام 1926، وهي الخطوة التي قابلتها الرياض بالمثل، حين افتتحت سفارتها في لندن في عام 1930. وقد تنامت تلك العلاقة بقوة وثبات، وبتشاور مستمر بين البلدين، حتى غدت السعودية من أكبر شركاء المملكة المتحدة في الشرق الأوسط، في ظل وجود أكثر من 200 مشروع مشترك بين البلدين، وبحجم تبادل تبلغ قيمته 17.5 مليار دولار.

وتأتي زيارة ولي العهد لبريطانيا في توقيت مهم لكلا البلدين. فالسعوديون يعكفون على تنفيذ رؤيتهم الطموحة للإصلاحات الهيكلية الاقتصادية. والبريطانيون يبحثون عن شراكات أقوى في ضوء قرار الناخبين البريطانيين الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي. ولا شك في أن رؤية السعودية 2030 تتيح فرصاً ثمينة للبريطانيين للدخول في اتفاقات تعاون تضمن لهم شريكاً لن يتأثر اقتصاده بتذبذب أسعار النفط. كما أنها ستتيح للسعوديين تنمية مستدامة، واستقراراً في التخطيط والتنفيذ، والانتقال للتوسع المطلوب في الصادرات غير النفطية.

ولا بد من القول إن العلاقات السعودية البريطانية مرت بفترات شد وجذب، لكنها ظلت في جوهرها قادرة على تجاوز تلك المطبات، واستعادة زخمها وقوتها المعتادة. وهو ما ستعززه الزيارة الحالية لولي العهد. وتأتي هذه الزيارة والسعودية تواجه بقوة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية. وهو شأن يلتقي فيه الجانبان. وظلت بريطانيا تقف مع السعودية منذ اندلاع الأزمة اليمنية، إدراكاً منها للخطورة المتمثلة في ميليشيات الحوثي التي تسلحها وتمولها إيران، لضرب استقرار السعودية ودول الخليج.

ولعل بعض الهيئات البريطانية التي تعهدت بالاحتجاج ضد السعودية لا تعرف المصلحة الحقيقية لبريطانيا في موقفها الراهن من الأوضاع في اليمن، ومواجهة العربدة الإيرانية. والواقع أن التهديد الإيراني للسعودية وأمن الخليج هو في حقيقته تهديد وجودي. ويحفظ ميثاق الأمم المتحدة للسعودية حقها في الدفاع الشرعي عن النفس، وأن التحالف في اليمن جاء بطلب من الرئيس الشرعي اليمني، ووفق القرار الأممي 2216.

وليست الأزمة اليمنية وحدها هي الشغل الشاغل لمسؤولي العلاقات في البلدين. فهناك قضايا ذات أهمية مماثلة، وفي مقدمتها مواجهة جماعات العنف والتطرف. كما أن قضايا التبادل التجاري بحاجة إلى تشاور مكثف، لإيجاد صيغة تعزز الشراكة مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن، المثير للجدل حتى بين نواب ومؤيدي حزب العمال، الذي لا يتوقف عن مهاجمة المملكة، يعرف أن معركته الكبرى هي مع منافسيه المحافظين، لا مع الرياض. لكن يجب أن لا يُسكت على كل حملة يتصدرها ضد المملكة. فهو يزايد على علاقات بلاده الراسخة مع السعودية بحثاً عن مصالحه الحزبية. ولا يعرف قيمة التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري بين البلدين. لسبب بسيط: أنه لم يجرب الحكم إلا من المقاعد الخلفية (Back Benches) في مجلس العموم، وعبر ما تنشره صحيفتا «الغارديان» و«الإندبندنت». ويجب أن يعرف أن لا صمت أمام تسويق الأكاذيب الإيرانية، والمال القطري الفاسد.

أما الصحيفتان المذكورتان فهما في الغالب تتبنيان موقفاً لا مبرر له ضد السعودية. تتداخل فيه مصالح فلول اليسار، وجماعات تمولها إيران، وأُخرى اشتراها المال القطري. وقد اختارت هاتان الصحيفتان تجاهل جميع قواعد العمل الصحفي المهني لتتنافسا في نشر الشائعات، والروايات «المفبركة». وصارتا تكتبان لإبهاج أعداء السعودية فحسب.

الأكيد أن ولي العهد يذهب إلى عاصمة الضباب وقد سبقه الانطباع السائد عنه باعتباره قائد أوسع عملية إصلاحية في التاريخ السعودي المعاصر، خصوصاً ما تحقق من قرارات تمنح المرأة السعودية مزيداً من الحقوق والامتيازات لتكون شريكاً يعتمد عليه في التحولات الضخمة التي تنطوي عليها رؤية 2030، وأيضاً عبارته الشهيرة «سنتجاوز إدمان النفط»، وهو انطباع يدفع بقوة نحو نجاح زيارته الرسمية الأولى لبريطانيا، منذ مبايعته ولياً للعهد. وسيكون لجهوده أثر كبير في تعزيز العلاقات الثنائية، وهو يقود إصلاحات كبيرة شُبهت بـ«التاتشرية»، على غرار الإصلاحات التي لا تزال بريطانيا تجني ثمارها بعد أكثر من 20 عاماً من تطبيقها. وهي فترة ذهبية للعلاقات في عهد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، وتاتشر، وخلفها جون ميجور. وهي مهمة سيقوم بها ولي العهد الذي يحظى باحترام وتقدير رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ووزير الخارجية بوريس جونسون. ولن ينجح من يحاولون تعكير صفو علاقات البلدين.. فالنتيجة محسومة سلفاً.