مصطفى زين
هي عدوى دونالد ترامب تنتشر في أوروبا. من هنغاريا والنمسا وبولاندا إلى إيطاليا، حيث تقود «رابطة الشمال» الانفصالية وزعيمها ماتيو سالفيني تحالفاً يطالب بالخروج من الاتحاد الأوروبي. هي الشعبوية التي تجتاح القارة القديمة المفترض أنها أكثر عقلانية وتقدماً.

وصول ترامب إلى السلطة لم يكن السبب الوحيد في صعود اليمين المتطرف في أوروبا، بل سبقه قادة أحزاب في فرنسا وبريطانيا وكل أوروبا الشرقية، لكن انتخابه أعطاها أملاً كبيراً في أن التطرف يوصل إلى السلطة، خصوصاً عندما يستخدم الخوف من الإسلام والمهاجرين.

عقد زعماء هذه الأحزاب مؤتمراً «تاريخياً» في براغ حضرته الفرنسية مارين لوبن والهولندي غيرت فيلدرز (الأكثر عداء للمسلمين)، وزعيم رابطة الشمال في إيطاليا لورنزو فونتانا، وغيورغ ماير من «حزب الحرية» في النمسا،، إضافة إلى البلجيكي جيرولف انيمانز والبولندي ميشال ماروسيك وماركوس بريتسل من «حزب البديل من أجل ألمانيا» وجانيس أتكينسون التي كانت عضواً في «حزب استقلال المملكة المتحدة» (يوكيب). واحتفل الجميع بفوز «حزب الحرية» في الانتخابات. وقال فيلدرز: «مرة أخرى في النمسا يصل حزب عضو في كتلتنا في البرلمان الأوروبي إلى السلطة».

ويأمل هذا التكتل أن يتفكك التكتل الأوروبي، خصوصاً بعدما قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الذي «لا يحترم سيادة» الإمبراطورية العظمى، على ما يقول اليميني المتطرف نايجيل فراج، وهو ينتمي إلى الكتلة ذاتها في البرلمان الأوروبي، ويحظى بدعم كبير من صديقه دونالد ترامب.

ويبدو أن بروكسيل بدأت تفكر جدياً في مصير الاتحاد، فرئيس المفوضية جان كلود يونيكر أصدر وثيقة عبر فيها عن القلق على مصير الاتحاد الأوروبي الذي يشكل نموذجاً للتكــــتلات الإقليمية، على المستوى الاقتصادي والسياسي، وكان يتوقع له أن يتطور ليصبح اتحاداً كونفيديرالياً، قبل صعود تيارات شعبية لا تتورع عن استخدام العنف، تطالب بـ «الاستقلال» وتتهم المسؤولين في الاتحاد بالديكــــتاتورية ومصادرة حرية الشعوب وفرض قوانين تتجاوز الأنظمة القضائية القومية، على ما يروج المعادون للاتحاد في بريطانيا وفرنسا.

والشعبوية وعدواها لا تقتصر على ترامب، فبوتين، هو الآخر، يتخذ قرارات مضادة لقرارات البيت الأبيض للحصول على تأييد غالبية الروس الذين تستخف واشنطن بدولتهم، وتتحداها عسكرياً عبر نشر قوات الأطلسي على حدودها في دول الاتحاد السوفياتي السابق في أوروبا وآسيا، وفي المناطق التي تسعى للوصول إليها، مثل العراق وسورية. وحذر رئيس الوفد الأوروبي للمفاوضات مع بريطانيا ميشال بارنييه من أن الرئيسين يشكلان «خطراً وجودياً» على الاتحاد، فبروكسيل واقعة بين «مطرقة ترامب وسندان بوتين» اللذين يشكل تعصبهما القومي ورفعهما شعار «نحن أولاً» نموذجاً للأحزاب اليمينية التي بدلاً من التمسك بالاتحاد الأوروبي لمواجهة قوة الدولتين العظميين اقتصادياً نجدها تزداد تعصباً قومياً، متوهمة أن في استطاعتها المنافسة منفردة، من خلال التحالف معهما أو مع إحداهما.