.ذِكْرُ الرحمن

إذا كانت الأحداث والتطورات في النيبال والمالديف وسريلانكا، إضافة إلى الوضع المضطرب على خط المراقبة في كشمير، بدأت تصعد إلى الواجهة كسلبيات بالنسبة للهند في جوارها الإقليمي المباشر، فإن حي الهند الأكبر هو الذي سجّلت فيه نيودلهي نجاحات لافتة في خلال الثلاث سنوات الماضية منذ وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة.

فمع انخراطه المهم والمتكرر مع بلدان غرب آسيا، أضفى مودي أهمية غير مسبوقة على علاقات الهند مع المنطقة. كما أن كل اتصال لرئيس الوزراء الهندي مع هذه المنطقة تميز بالدفء وتأكيد التقدير الكبير الذي يحظى به والبلد الذي يقوده. ذلك أن كل عاصمة تنظر إلى الهند باعتبارها شريكاً بالغ الأهمية وتسعى إلى عقد «شراكة استراتيجية» معها مبنية على تعزيز العلاقات السياسية والأمنية والدفاعية.

بدأت سنة 2018 بزيارة زعماء بلدان «آسيان» لنيودلهي باعتبارهم ضيوف البلاد الرئيسيين في عيدها الوطني الهندي، «يوم الجمهورية». وبعد ذلك، تَواصل الانخراط السياسي والاقتصادي مع زيارة رئيس الوزراء الهندي لفلسطين مع توقف في عَمان، ثم الإمارات العربية المتحدة فعُمان، قبل أن يستقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني في وقت لاحق من فبراير، والعاهلَ الأردني عبدالله الثاني في نيودلهي الأسبوع الماضي.

وكانت هذه أول زيارة للملك عبدالله الثاني بن الحسين إلى الهند منذ 2006، ولقائه الثاني مع ناريندرا مودي بعد لقائهما السريع عندما كان رئيسُ الوزراء الهندي في طريقه إلى رام الله في وقت سابق من الشهر. وتمتاز الأردن بميزة جيوسياسية فريدة كونها تتقاسم حدوداً مع ستة بلدان – إسرائيل، فلسطين، مصر، السعودية، سوريا، والعراق – وبالتالي، فإنها تتأثر بالتطورات التي تحدث في منطقتها المضطربة. وبوصفها الوصية تاريخيا عن المواقع الإسلامية في القدس، الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي حاليا، فإنها تُعتبر مهمة أيضا بالنسبة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولاسيما أن أكثر من نصف مواطنيها ينحدرون من الأراضي التي تُعتبر اليوم جزءا من إسرائيل أو محتلة من قبلها.

والواقع أن علاقات الهند مع الأردن كانت دائما تتميز بالدفء. وتؤطر العلاقاتِ بين البلدين اتفاقيةٌ وقِّعت في 1976. وتتولى لجنةٌ تجارية واقتصادية مشتركة شُكلت في إطار هذه الاتفاقية الترويجَ لها ومراقبة تقدمها. وعلى مر السنين، عرفت التجارة الثنائية نموا سريعا رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن زيارة العاهل الأردني الأخيرة وفّرت دفعة فريدة للعلاقات الثنائية مع توقيع اتفاقية تتعلق بالتعاون في مجال الدفاع، تشمل حفظ السلام ومحاربة الإرهاب والأمن السيبراني والتدريب والخدمات الطبية العسكرية. ويربط الهند والأردن حوارٌ في مجالي الأمن والدفاع يعقد منذ زيارة العاهل الأردني للهند في 2006. ذلك أن الهند تشعر دائما بأنها تستطيع تعلم الكثير من تجربة الأردن في محاربة الإرهاب.

وخلال هذه الزيارة، تم توقيع اتفاقيات أخرى، من بينها اتفاقية تتعلق بتوريد طويل الأمد للفوسفات والأسمدة تعكس اعترافاً بالمكانة المهمة لهذه المواد في العلاقات التجارية الثنائية، واتفاقية أخرى حول إقامة «مركز التفوق» في الأردن ستتيح تدريب 3 آلاف مهني أردني في مجال تكنولوجيا المعلومات خلال الخمس سنوات المقبلة. أما على الصعيد الثقافي، فوقعت اتفاقيات مهمة تتعلق بالتعاون في المجال الإعلامي، واتفاقية لإنشاء كرسي للغة الهندية بجامعة الأردن.

وبوصفه مثقفا وزعيما لدولة مسلمة معتدلة، ألقى العاهل الأردني كلمة على ثلة من المثقفين وعلماء الدين الهنود إلى جانب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ولئن تحدث ناريندرا مودي عن ثقافة الهند الفريدة بخصوص استيعاب جميع الأديان والطوائف وتسامحها الديني وتعدديتها العرقية، فإن عبد الله الثاني تناول معضلة اختطاف الشارع الإسلامي المعتدل من قبل بعض العناصر الدينية المتطرفة. وإذ أشار إلى أن «الحرب التي يخوضها العالم اليوم ضد الإرهاب.. هي بين المعتدلين من جميع الأديان والمجتمعات ضد المتطرفين الذين اتخذوا الكراهية والعنف معتقدًا لهم»، فإنه دعا إلى ضرورة «استعادة شبكة الإنترنت من الأصوات التي تدعو إلى الكراهية».

إن الهند لديها مصلحة حقيقية في استقرار منطقة غرب آسيا، ذلك أنها تحصل على نحو 80 في المئة من وارداتها النفطية من بلدان الخليج العربي، وعلاقاتها التجارية مع بلدان الخليج الستة فقط تقدّر بنحو 140 مليار دولار سنويا، كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة تشكّل الوجهة الأكبر لصادراتها أيضا. وعلاوة على ذلك، فإن الهند لديها جالية مهمة في الخليج العربي يقدّر عددها بنحو ثمانية ملايين وتحوِّل نحو 30 مليار دولار سنويا. وفضلا عن ذلك، فإن كل زعماء غرب آسيا الذين التقاهم «مودي» حتى الآن يرغبون في دور هندي أكبر في تعزيز الأمن في المنطقة. غير أن لقاءاته المكثفة مع الزعماء العرب لم تفضِ إلى صياغة أي مقاربة سياسية هندية جديدة، وإنما ظلت مقتصرة على «الثنائية» مع كل بلد على حدة. ولئن كان مودي يسعى جاهدا إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية حتى تشمل مجالي الأمن والدفاع الجديدين، فإنه قد لا يتجاوز «الثنائي» إلى مقاربة إقليمية.

*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي