رنا نجار 

لطالما تساءل متابع المهرجانات والمعارض والتظاهرات الفنية والثقافية في منطقة الخليج العربي لمَ لا يتوجّه منظّمو هذه النشاطات إلى الجاليات الآسيوية خصوصاً الهندية، بتخصيص حفلات أو معارض لها، أو على الأقل بتكريم فنانيها في صروح عريقة؟ والملاحظ أن المنشورات والتعليقات والتعريفات في المعارض الفنية الكبرى في الإمارات، تُكتب بالعربية والإنكليزية، وأحياناً بلغة شكسبير فقط، مع تجاهل عدد كبير من الآسيويين الذين تشكّل جالياتهم العدد الأكبر بين الجاليات المقيمة في الدولة. أما الهند التي تعتبر الدولة الملهمة لشعوب آسيوية وعربية وأجنبية، فهي أم الفنون والسينما. يمكن أن نرى حفلة لموسيقي هندي، أو معرضاً منفرداً لرسام هندي، أو مسرحية أو استضافة سينمائي هندي شهير، ولكن هذه المبادرات تكون عادة فردية أو خجولة وليست على مستوى رسمي ضخم مثل مهرجان أبوظبي الذي يكرّم الهند في دورته الـ 15، كضيفة شرف.

لذي كانت الدورة الحالية من المهرجان السنوي الممتدة حتى 30 آذير (مارس) الجاري، ملوّنة ومفعمة بالحياة وفيها طعم الهند وتوابلها وألوان سهولها وأزياء نسائها وصخب ألحانها وضجّة مشاهدها السينمائية. فلم يعتد المقيمون في الإمارات أن يشاهدوا عدداً كبيراً من الجالية الهندية في صالة ضخمة تتّسع لـ800 شخص في قصر الإمارات الضخم حيث تقام سهرات مهرجان أبوظبي. لكن هذه المرّة، اجتمعت الهند كلها في مكان واحد حيث كان الجمهور الهندي بفئاته العمرية كافة يغزو مقاعد الصالة، بينما احتلّ خشبة المسرح أكثر من 40 فناناً وفنانة ليقدّموا العرض الموسيقي المسرحي الشهير «ذي ميرشاندز أوف بوليوود». فكان التفاعل مزدوجاً بين الجمهور المشتاق لرائحة بلاده وثقافتها العريقة، وبين المؤدين والراقصين الماهرين الذين ارتدوا أزياء ساحرة وجميلة تتألف من 1200 زيّ مختلف، و5000 آلاف قطعة مجوهرات لامعة وباهرة. فأتت النتيجة وجوهاً مبتسمة ترى في سماتها اشتياقاً واطمئناناً وكأنها تستعرض في الوقت الذي تشاهد المسرحية، شريطاً حافلاً بِكُرات الطفولة في الهند وطرقها وقصورها العظيمة. ففي الصالة، اجتمع الهنود المقيمون هنا، من أغنياء وأشخاص عاديين ومتوسطي الحال، فالجميع هنا جاء ليحتفل بالهند وفنونها الجميلة. الكبار والصغار من الجمهور كأنهم في عيد رسمي هندي، أتوا بأزيائهم التقليدية الراقية والجميلة، وبمجوهراتهم المعروفة والساحرة.

يحتفل عرض «ذي ميرشاندز أوف بوليوود» الحافل بالألوان وحركات الرقص المذهلة بسينما بوليوود الأغزر إنتاجاً في العالم، وذلك من خلال لوحات راقصة اشتهرت بها إنتاجات السينما الهندية. ويروي قصة آخر سلالات مصممي الرقص، يقدمها فريق عمل ضخم على أعلى مستوى من الأداء ودقة الحركة وجمال التصميم والأزياء. وتولى تصميم الرقصات الموهبة الرائدة فيبافي ميرتشانت حفيدة هيرالاجي ميرتشانت أحد مؤسسي سينما بوليوود الكلاسيكية. وتعكس مشاهد الرقص في المسرحية أنماط الرقص المتنوعة من أنحاء الهند، بدءاً من الرقص الفولكلوري لولاية راجستان وصولاً إلى أساليب الرقص المعاصر. وأتت اللوحات الراقصة على وقع موسيقى صاخبة ومقطوعات للثنائي الحائز جوائز مرموقة سالم وسليمان ميرتشانت، بمشاركة الفنانين عارف زكريا وكارول فيرتادو ودينزل سميث وسوشان بوجاري.

استقطب عرض «ذي ميرشاندز أوف بوليوود» حتى اليوم، أكثر من مليوني شخص حول العالم في أكثر من 1000 استعراض فني في 20 دولة، وهو عُرض السنة الماضية في مهرجانات بيت الدين في جبل لبنان. لكن الطاقة التي وجدت في عرض مهرجان أبوظبي لم نجدها في بيت الدين، كون التفاعل مع جمهور يفقه تفاصيل اللعبة المسرحية التي تمسّ خلفيته الثقافية والإنسانية الهندية، أعطى ثماره على الخشبة.

ويستمر احتفال مهرجان أبوظبي بفنون الهند عبر أمسيتين أخريين. الأولى بعنوان «نحن الأحياء: رقص كلاسيكي من الهند» تقدّمها «أكاديمية تانُسري شنكر للرقص» بقيادة مصممة الرقص تانُسري شنكر التي تعدّ إحدى أبرز الشخصيات المساهمة في تشكيل فن الرقص الهندي المعاصر، الإثنين المقبل 19 آذير. أما الحفلة الثانية المنتظرة، فستكون الأحد 25 آذير، مع سيد السارود الموسيقي أمجد علي خان أحد أبرز الوجوه الموسيقية الكلاسيكية الهندية الذي سيطرب الجمهور بموسيقاه الساحرة على آلة السارود التي تعتبر عنصراً أساسياً في تقاليد الثقافة الهندية.