حسين شبكشي

 يحتفل الصينيون بسنواتهم بطريقة فريدة ومختلفة، فهناك أسماء لكل سنة؛ سنة الأرنب، وسنة الفأر، وسنة التنين... وهكذا. ومنذ سنوات في كل سنة تمر عليها مناسبة تاريخ ميلادي أتذكرها بحاجز رقمي وصلت له؛ فمثلاً كانت هناك سنة الخصر (وهي السنة التي وصلت فيها للعمر المقابل لمقاس خصري)، وبعدها جاءت سنة القدم (وهي السنة التي تجاوز فيها عمري مقاس قدمي)، وهذه السنة هي سنة الجاكيت (السنة التي وصل فيها العمر إلى قياس الجاكيت - السترة).

العمر ومروره يجبران الإنسان على النظرة الفلسفية للحياة بصورة عامة. لا ينقطع الحديث عن النماذج التي تنجح في تحدي عجلة الزمن بنجاحات مستمرة ومبهرة... حالة مبهرة مثل حالة لاعب التنس الأسطوري سويسري الجنسية روجر فيدرر الذي أصبح أكبر لاعب عمراً في الفوز بالبطولات الكبرى، ولا يزال يواصل انتصاراته بشكل مدهش ومثير. وكذلك الأمر بالنسبة لحارس المرمى المصري الأسطوري عصام الحضري الذي سيمثل بلاده في كأس العالم المقبلة في روسيا ليكون أكبر اللاعبين عمراً في تاريخ البطولة الرياضية، وكذلك الأمر بالنسبة للاعب كرة القدم الأميركية توم برادي الذي أصبح أحد أكبر اللاعبين عمراً في المشاركة بنهائيات البطولة الكبرى.

لا يقتصر تحدي العمر على أبطال الرياضة فقط، فهناك نماذج أخرى تتألق، مثل وارن بافيت؛ أشهر رجل أعمال أميركي وأهم مستثمر في البورصة، يتخطى الثمانين من العمر وهو في كامل لياقته الذهنية ولا يزال أيقونة لا مثيل لها في مجالاته. وفي مجال الفن التمثيلي هناك الاسم الأهم؛ الممثلة ميريل ستريب التي تواصل حصد أهم الأدوار وأكبر الجوائز بعد أن تخطت السبعين من العمر.
تختلف المجتمعات في تعاملها مع «العمر» و«الخبرة» و«السنوات المكتسبة». أيضاً هناك معايير تفرضها بعض المجتمعات في التعامل مع «أهل الخبرة»، مثل الذي يحدث في الصين واليابان والهند وكوريا على سبيل المثال، فيؤخذ بآرائهم وخبراتهم بشكل عملي دقيق. تذكرت هذه المسألة عندما دعيت مؤخراً إلى اجتماع عصف ذهني مع مجموعة منتقاة من رجال الأعمال من العالم العربي تجمعهم هواجس الثقافة والفنون والخطاب الإنساني وبناء الجسور مع الأمم وإيمانهم بأن سلاح الثقافة أهم وسائل القوى الناعمة لرسم الصورة الإيجابية. وفي هذه الجلسة الممتعة والمثيرة والتي تم الإعداد لها بشكل جيد ومنسق، تم التطرق إلى أهمية تأسيس «قوى ضغط» للترويج لمرشح عربي موحد في المحافل الثقافية الدولية، ودار الحديث عن ضرورة استحداث هيكلة لقوى الضغط بأسلوب مهني ومحترف الغاية؛ منه توحيد الصفوف لصالح مرشح عربي واحد للإقلال من تشتيت الجهود والأموال وبالتالي تفتيت الأصوات التي من الممكن الحصول عليها. التجارب السابقة المتعلقة بترشيح العرب للمنصب الأعلى في منظمة اليونيسكو كانت بائسة ومؤسفة، وباتت «المعارك» التي حصلت قديماً بين المرشحين العرب مثار سخرية وحسرة في آن. جرى الحديث بإسهاب عن ضرورة الدعم الكبير لمرشحي الدول «التقليدية» من العالم العربي؛ مثل المغرب ولبنان ومصر، وقدمت الحجج والبراهين على أهمية ذلك. وهنا كان من الضروري البت في تعريف معنى «المرشح»... هل يتم ترشيح الدولة أم شخص المرشح؟ وشتان بين الاثنين، فلا بد من أن يكون من يترشح صاحب رؤية شخصية وله نهج ومسيرة ثقافية ومشروع ثقافي يعيش تفاصيله منفتحاً على العالم بكامل تفاصيله بلا تردد. وبالتالي تكون هذه هي شروط الترشح التي من المطلوب دعمها وإطلاق الخطة لأجلها. وعليه؛ لا بد من التفكير بشكل عملي وخارج الصندوق. فلننظر من حولنا ونرَ من ينطبق عليه هذا السرد والشرح بعيداً عن القوالب «التقليدية»، ولنركز وقتها على مرشح واحد تنطبق عليه الشروط كافة ويكون واجهة مشرفة لكل العرب بشخصيته وبلاده وبمشروعه الثقافي العام والشخصي، وله الخبرة العميقة والعملية المؤيدة لكل ذلك.

وخرجنا جميعاً بانطباع موحد؛ أن للعرب فرصة مهمة في معركة اليونيسكو المقبلة إذا ما تجردوا من الطرح السابق، واعتمدوا ترشيح الشخصية الأكثر قبولاً والتي تنطبق عليها الشروط سابقة الذكر كافة، ولقيت الاستحسان والدعم والقبول، وتحتل مكانة استثنائية اليوم في المحفل الثقافي.
جهد رجال الأعمال لدعم مشروع ثقافي فكرة لافتة مهمة، ومتى كان الجهد جماعياً ومن أكثر من دولة عربية؛ حقق منافع أعظم وأهم، ومتى كان استباقياً وفيه تشكيل قوة ضغط لدعم مرشح موحد لليونيسكو؛ فهذه نقلة نوعية في التفكير طال انتظارها.
تكامل جميل منشود بين عالمي الثقافة والأعمال بدلاً من الهدر والتنافس العقيم... دلالة على وعي وحكمة لا يمكن إنكارهما.