ياسر الغسلان

في الوقت الذي انشغل إعلامنا المحلي -التقليدي منه والجديد- بالدفاع عن موقف المملكة ورموزها من الترهات التي تناولها برنامج «ما خفي أعظم»، والذي بثته قناة الجزيرة قبل نحو أسبوع، قدّم أكثر من 15 عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي مطالبة وُجّهت إلى وزير العدل الأميركي «جيف سيشنز»، بالتحقيق في وضع قناة الجزيرة، باعتبارها قناة مملوكة لحكومة قطر، تعمل على تقويض المصالح الأميركية بشكل مباشر في المنطقة العربية، وضرورة تسجيلها وكيلا أجنبيا أسوة بقناة «أر تي» ووكالة «سبوتنك» الروسيتين.

اتّهم الأعضاء الموقعين على المطالبة -أو ما يمكن اعتباره حربا جديدة ضد القناة في أميركا- ومنهم بعض الأسماء ذات الثقل السياسي، أمثال: «تيد كروز» الجمهوري من تكساس، والديمقراطي «جوش جوتيمير» من نيوجيرسي، والجمهوري «ولي زيلدين» من نيويورك، بأن القناة تقدّم تغطيات إعلامية تخدم الجماعات التي تصنّفها وزارة الخارجية الأميركية منظماتٍ إرهابية، بما في ذلك حزب الله، والفرع السوري لتنظيم القاعدة، وبأن المواد التي تُبث على القناة تُعدّ معادية لأميركا ومصالحها، وأن من حق المواطن الأميركي معرفة ما إذا كانت المعلومات التي تبثها هذه القناة أو غيرها تنقل إليهم الأخبار بشكل محايد، أم أنها لا تعدو كونها دعاية خادعة تخدم مصالح دول أجنبية.
قناة الجزيرة كانت من أهم الأسباب التي أسهمت في استفحال الأزمة مع دولة قطر خلال ما قامت به لعقود من بث السموم الإعلامية بذريعة حرية الصحافة، والتي لم تكن أكثر من محاولات مستميتة لخلق حالة من الفوضى في دول الجوار، وغيرها من الدول العربية، وهو الحال الذي استمر وما زال مستمرا حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن الجزيرة استطاعت أن تكسب بعض التعاطف في أوساط دعاة حرية التعبير في أميركا، في أعقاب نشر مطالبات دول المقاطعة التي دعت فيها إلى إغلاق القناة، إلا أن اليوم -وبعد أن كشفت القناة عن وجهها المستتر الذي طالما أخفته بحجج الحرية والمهنية- نجد أن عاصمة الحريات ومن تحت قبة الديمقراطية الغربية يخرج من يطالب بأن تسمى الأمور بمسمياتها، وأن تّصنّف الجزيرة ومن سار على منوالها بالتصنيف المناسب لها، فقد اكتشف الغرب اليوم بعد ما كنا نقول عنه لعقود، بأن الجزيرة ليست إلا وسيلة لصوت حكومة، وليست بأي حالة وسيلة إعلامية مستقلة تخدم الحقيقة والرأي الآخر، كما تدعي.
المثير للاستغراب أن إعلامنا المحلي أحيانا تكاد تفوته الفرص دون أن يشعر، فيغرق في مسائل جانبية، ليؤكد المؤكد في وقت تقدم له على طبق من ذهب فرصٌ لتثبيت مواقفه فيما يعتقد البعض أنه مختلف عليه. فكما بدأت المقال، بأن مطالبة أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي التي كان بالإمكان أن يتم التركيز عليها في إعلامنا المحلي والإقليمي، باعتباره دليلا يثبت مواقفنا السابقة والحالية من القناة، إلا أني لم أجد أي تغطية إعلامية تناولت الخبر، أو سلطت الضوء عليه بالشكل الذي يستحقه، وكأنه في الحقيقة لم يكن، في حين انشغل كثير من إعلاميينا الأفاضل في شبكات التواصل الاجتماعي بتفنيد ادّعاءات ما ورد في البرنامج آنف الذكر، والدفاع عن رموزنا وتاريخنا، في وقت لا يتوانى الطرف الآخر في تهويل وتسليط الضوء على كل صغيرة تثار في أروقة القرار العالمي ضد السعودية ومصالحها!.
سأقول باختصار، إن بعض المعارك لا يكفيها الصوت العالي وتآزر الجموع، وإقناع المجتمع الدولي لن يتحقق بالكلام المنمق، والشيلات الحماسية، بل يتطلب ذلك أدلة منطقية وشهودا محايدين، وتسلسلا في الرواية، وقبل كل ذلك ذكاءً في اقتناص الفرص، ودعم القوى التي تقف جنبا إلى جنب مع مساعيك.