علي نون

شبّيح ديبلوماسي بدرجة وزير، «الرفيق» سيرغي لافروف.. ويتصرف تماماً، كما لو أنّه غير معني بوظيفته ولا بطبيعتها، وهي التي تُعنى بالنقاش والحوار ومقاربة الآخر بقفازات ناعمة.. ثمّ الأهم والأَولى من ذلك كله، تضع (وتحكم بوضع) مبدأ الثقة في رأس المقام والمقال، وأول ذلك أن يتحدث صاحبها بمنطق ويستند إلى حقائق، ويدعّم وجهة نظره أيّاً تكن، بالطروحات التي تحترم عقل الآخر ولا تهينه باستباحة الكذب والتزوير، ولا بالشتم والسفّ وسقط الكلام!

لا يتعب وزير خارجية فلاديمير بوتين في إبداء كل ما يُظهر أنّه منتحل صفة! وإنه يتقصّد إهانة نفسه (وبلاده) قبل إهانة «الحس الشعبي العام» من خلال الإصرار على اعتماد أداء عدائي يستند إلى الكذب والتورية وتحريف الحقائق والوقائع.. تماماً كما لو أنّه يُحاضر في خلّية حزبية مقفلة، أو أمام أحد «مؤتمرات» الحزب أيام «الاتحاد السوفياتي» (الراحل) وليس أمام عالم مفتوح على وسعه، وفيه من يمكنه تتبّع سير النمل في البرّية!

لافروف يعود ليتّهم واشنطن، بما تفعله بلاده فعلياً في سوريا! يأخذ عليها أنّها «تبني» قواعد و«تحاول تقسيمها والتمركز فيها إلى الأبد». وذلك فقط، لأنّها ارتأت أخيراً (على ما يبدو) أنّ التفويض الذي أعطاه السيّئ الذكر باراك أوباما لموسكو يُساء تفسيره من قِبَلها وفق سياق استراتيجي خطير. وبدلاً من «محاربة الإرهاب» ومقاربة الشأن الآخر الخاص بثورة السوريين، من خلال السعي إلى تسوية فعلية.. تفعل العكس وتعود إلى البدايات بحثاً عن حسم عسكري! وفق قاعدة أنّ كل معارض هو إرهابي. وكل منطقة معارضة هي هدف مفتوح للنار (والتدريب!) من دون تمييز ولا وجع رأس!

لكن أخطر ما يرتكبه الوزير الروسي، هو تولّيه تسويق التكتيك الأسدي المتّبع منذ بداية المذبحة. وتحديداً في شأن استخدام السلاح الكيماوي: يعود بالأمس في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، إلى القول إنّه «يجري العمل على عملية استفزازية لاستخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية»! متمّماً ما كان قيل من قبل الأبواق الأسدية منذ فترة وجيزة، وما نُشر قبل يومين، من أنّ «الوحدات العسكرية التي تتقدم في الغوطة اكتشفت مصنعاً لتركيب المواد الكيماوية» من قبل «الإرهابيين» طبعاً!

أي أنّ ناظر الخارجية الروسية لم يكتفِ بتبرئة العصابة الأسدية من جرائم استخدام الكيماوي سابقاً، وفي الغوطة نفسها صيف العام 2013 وفي غيرها على دفعات متفرقة.. بل يندفع الآن إلى المشاركة في تحضير «مناخات» العودة إلى استخدام ذلك السلاح الإبادي تبعاً لـِ«ضرورات» الإسراع في حسم المعركة المفتوحة في الضاحية الدمشقية الشرقية، وتقليل الأثمان الكبيرة التي تُدفع فيها، من قِبَل بقايا السلطة وحُماتها في الميليشيات الإيرانية المذهبية.

وخطورة الأمر، هو أنّ لافروف متيقّن (على ما يبدو) من أنّ واشنطن ستعاقب الأسد على جرائمه الكيماوية وغيرها.. وطالما أنّ القرار بذلك متّخذ (؟)، فلماذا لا يُصار إلى استباقه بتكثيف الهجوم الإبادي على الغوطة واستخدام ذلك السلاح مجدداً! أي أنّ الضربة الأميركية ستحصل بمفعول رجعي ولا يُعتقد أنّها ستعدّل الميزان على الأرض، فلماذا لا يُصار إلى التعجيل بقضم المزيد من تلك الأرض وبكل طريقة ممكنة وغير ممكنة! وهذا تقريباً، شغل عصابات وليس دولاً «عظمى»: السرقة ستكلّف بعض الخسائر الذاتية، لكن الغنيمة مضمونة!

.. وهذا منطق وزير خارجية دولة عظمى!