طيب تيزيني

إن مسألة نهوض المرأة موازية لمسألة نهوض الرجل، وبذلك تكون قد أخذت حقها على صعيد النهوض، كما هو الحال بالنسبة للرجل. بيد أن التحدث عن مساواة بين الفريقين لا يلغي الخصوصيات المتصلة بكل منهما، كما كان يظن البعض. وهكذا، نكون قد وضعنا المسألة في سياقها العلمي، رداً على بعض الفرقاء الذين يرون أن العدالة بين الجنسين تستلزم المساواة الكلية، كأنهما متماثلان حرفياً، وهذه مساواة زائفة، فيما المساواة الحقيقية هي مساواة في ضوء الاختلافات الفيزيولوجية والنفسية وغيرها.

أما الانطلاق بهذا الموقف العادل في أولوياته، فلا يصح أن يُنظر إليه كحالة من المبالغة والترف الفكري أو تلسياً بالقيم «الاستغرابية الزائفة». ذلك لأن منظومة القيم العادلة لا تضع فريقاً في كفة أقل من الكفة الأخرى، انطلاقاً من أن نظام العمل هو واحد للفريقين كليهما، مع اعتبار الاختلافات بينهما جزءاً متمماً للحالة. أما المنطلق هنا فيتمثل في فكرة التكامل بين الفريقين، الرجل والمرأة، إكمالا لمفهوم المساواة. وبذلك نشير إلى المبدأ القائم ليس على المماثلة، وإنما على التكامل والتفاعل، خصوصاً حين نرى أن العمل العقلي يتطور بصورة مفتوحة على حساب العمل اليدوي. وهنا نستطيع إدخال «العامل التربوي» في سياق قائم على التكامل وليس التماثل.

لذلك فإن فكرة المشروع النهضوي العربي لم تعد صيغة من صيغ التمني، وإنما فكرة ذات طابع وجودي حاسم، تضعنا أمام الخيار الوحيد بالمعنى الأنطولوجي الوجودي.

إن واقع الحال العربي الراهن قد انتهى إلى الحسم التالي: إما أن نوجد ضمن شروط الراهن ومحاولات تفكيكه مزقاً، أو أن ندخل في حقول الممكنات القصوى من المواجهة التفكيكية الشرسة. وفي رأيي أن احتمالات المناورة على بعض الممكنات، أصبحت خارج المواجهة الوجودية القائمة، لتصبح نمطاً من الحلم.

وفي هذا الأفق المسدود يراهن البعض على المبادرات المفاجئة والداعية إلى إعادة النظر في «الوطن الكبير» الآخذ في التمزق، إذ تجمعت كل القوى المناوئة للعروبة، لتطرح مشاريعها الطائفية التفكيكية، يداً بيد مع «إسلام ملفق» يحمي الآخرين من الإيرانيين والروس وغيرهم.

إن الحلم بسلطة قادمة من خارج الوطن بمفرداته ومكوناته العديدة، تحول إلى استراتيجية مدمرة للوطن العربي ككل، باتجاه تأسيس أنماط من السلطة الطائفية المتحالفة أو المتماهية مع سلطة أجنبية تشكّل أحد أبعاد اختراق الوطن العربي.

وبشيء من التفصيل، يمكن القول إن مشروعاً نهضوياً عربياً يمكن طرحه راهناً والتأكيد على أهميته الحاسمة في حياة الوطن العربي، بكل تياراته السياسية وتوجهاته العرقية والقومية، إنما هو المشروع الحقيقي المحتمل، رغم تشكيك مجموعات من العرقيين والطائفيين والأيديولوجيين بإمكانية ذلك.

الواقع العربي، منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، أثبت أنه لا يحتمل مشروعاً ملفقاً أو زائفاً أو ناقصاً أو مخترقاً ب«الآخر»، أي مشروعاً غير محتمل، لأنه في هذه الحال سوف يصطدم بالقوى الاجتماعية التاريخية الحية والمنفتحة في العالم العربي، على نحو يمكن أن يعيد الموقف إلى بداياته التي انطلقت في القرن التاسع عشر إياه. فالعالم العربي بمكوناته جميعها، وبتعبيراته التاريخية الحقة كلها، إنما هو «قَدَر» لا يستطيع أحد أن يحوله إلى «لُقمة» سائغة في يد أحد من داخل هذا الوطن العربي أو خارجه. إنه قانون عصي على الاختراق من الداخل كما من الخارج.