زياد الدريس

 لم يكن فوز الرئيس فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة للاتحاد الروسي، أول من أمس، مفاجأة، لكن المفأجأة كانت الاكتساح الذي حققه الثعلب الروسي من بين المرشحين الثمانية لمنصب الرئاسة. فقد حصد بوتين أكثر من ٧٦ في المئة من الأصوات، وهي أعلى نسبة يحصل عليها من بين السباقات الانتخابية الأربعة التي خاضها من قبل!

وكان من المتوقع أن يحصل صاحب المركز الثاني في السباق المرشح الشيوعي بافل غرودينين على نسبة عالية من أصوات الشيوخ والعجائز الروس بما يمثله غرودينين من حنين ماضوي (نوستالجيا) للزمن الشيوعي، وأن يحصل المرشح الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي على نسبة عالية من أصوات الشباب التوّاقين للقطيعة مع الماضي والدخول في عوالم الحياة الغربية. لكن المرشح الشيوعي كان في حقيقته رأسمالياً كبيراً مما أفقده صدقيته أمام الناخب، فحصل فقط على أقل من ١٢ في المئة من الأصوات، أما المرشح الليبرالي فقد أضّرت به انحيازاته مع الغرب الذي يهدد هيبة روسيا (سيأتي الحديث عنها لاحقاً) فلم يحصد من ثقة الشباب أكثر من ٦ في المئة من الأصوات! لا تنفك دلالات هذا الفوز الساحق من التأكيد على سخونة الحرب الباردة الثانية بين روسيا وحلفائها من جهة وأميركا وحلفائها من الجهة الأخرى. يصعب تحديد نقطة البداية الفعلية للحرب الباردة الثانية، إذ لم يكن الفاصل الزمني طويلاً بين الحربين الباردتين، الأولى والثانية، حتى يسهل تمييز نقطة نهاية الأولى وبداية الثانية، باستثناء فترة الرئيس غورباتشوف التي يمكن اعتبارها فترة هدنة حقيقية بين روسيا والغرب. أما في فترة الرئيس يلتسين فلم يكن خافياً أن الذي كان يدير المشهد السياسي والاستخباراتي حينذاك هو بوتين وليس يلتسين.

وإذا كان بوتين قد أصبح في آب (أغسطس) ١٩٩٩رئيساً فعلياً لحكومة روسيا الاتحادية، ثم تولى اختصاصات رئيس روسيا بالوكالة منذ ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ١٩٩٩، بعد استقالة الرئيس يلتسين، فهذا يعني أن الرئيس بوتين، إذا أنهى فترته الانتخابية الجديدة التي ستنتهي عام ٢٠٢٤، سيكون أمضى على هرم السلطة في روسيا أكثر من ٢٥ عاماً!

المؤكد أن الناخب الروسي حين صوّت لبوتين لم يكن يصوت لرئيس روسيا من الداخل، وإلا لربما اختار مرشحاً آخر غير بوتين، ولكنه صوّت لرئيس روسيا في الخارج، للرئيس الذي سيحفظ هيبة روسيا من محاولات الغرب تركيعها، بدءًا من أزمة أوكرانيا ومغامرة اقتحامها واحتلال جزيرة القرم وانتهاءً بملابسات قصة تسميم الجاسوس!

نظرية المؤامرة تقول: إن لندن افتعلت قصة تسميم الجاسوس السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا بغاز الأعصاب، كي تربك المشهد الانتخابي الروسي، طمعاً في تخويف الشعب الروسي من عواقب تهور بوتين!

بينما نظرية المغامرة تقول: إن بوتين هو الذي افتعل قصة تسميم الجاسوس، كي يكشف للشعب الروسي، وهو في طريقه إلى صناديق الاقتراع، القلق من التهديدات التي يُضمرها الأوروبيون والأميركان لروسيا لو جاءها رئيسٌ ضعيف!