عبلة مرشد

«لا تتمتع النساء في السعودية اليوم بكامل حقوقهن بعد.. هناك حقوق منصوص عليها في الإسلام ولم يملكنها بعد.. وقطعنا شوطاً كبيراً في هذا الشأن ولم يتبق الكثير»، هكذا أشاد سمو ولي العهد في لقائه المتلفز، بحقوق المرأة وبأحقيتها في اكتمال مستحقاتها كما منحها إياها رب العباد وخالقها، وبإشارة بأنها ما زالت منقوصة لم تبلغ التطلع، وبذلك يؤكد سموه على أننا قطعنا فعليا شوطا كبيرا في تمكين المرأة، بمنحها ما تستحقه من ممكنات ومؤهلات وحقوق ومكانة هي تستحقها، ولم يتبق الكثير؛ ولم يكن ذلك ليكون لولا فضل من الله، ثم بجهود مشكورة ومساعٍ حثيثة محمودة من قيادتنا الحكيمة، وبتفاعل متميز من قيادة شابة قادرة على استقراء متطلبات المرأة واحتياجاتها، وبرؤية عميقة وجادة لما يتطلبه واقع المرأة السعودية اليوم، وباستشعار مخلص واعٍ لحجم المسؤولية الوطنية، هذا ما بشرنا به سموه وأسعدنا به كنساء مواطنات يتابعن ويتأملن بتفاؤل التمكين الكامل للمرأة، وبما تستحقه كإنسانة وكمستحقَّات مواطنَة بداية، وبما ضمنه لها ديننا الحنيف من حقوق ومكانة تعتز بها. 
كنا نعيش حياة طبيعية للغاية.. والنساء كن يقدن السيارات، وكانت هناك دور للسينما، كنا طبيعيين نتطور كأي بلد آخر في العالم حتى أحداث 1979، أعُطيت النساء السعوديات حقوقا جديدة، سهلت عليهن العمل التجاري، والانضمام إلى الجيش، وحضور الحفلات الموسيقية، والأحداث الرياضية وقيادة السيارة بمفردها، وهناك جهود لمساواتها بالرجل في الأجر، المرأة يجب أن ترتدي ملابس لائقة ومحتشمة كالرجل، مع ذلك لا يحدد بشكل خاص العباءة السوداء أو غطاء الرأس الأسود...القرار متروك تماماً للمرأة. تلك التصريحات لسموه أضافت مزيدا من الإنجاز والتمكين لرصيد المرأة السعودية.
وبالتزامن مع تصريحات سموه والتي ما زلنا نعيش عبقها، نتداول تفاصيلها، ونتابع ما تردده وسائل الإعلام المختلفة عنها، ونتناقش في تبعاتها، نعقد الآمال عليها، وملؤنا التفاؤل لنفتخر ونسعد باستكمالها، وفي غضون أيام احتفل فيها العالم بيوم المرأة العالمي ليجدد فيه ثقته بالمرأة وبأهمية نيلها مستحقاتها كاملة، وبما يكفل لها الحرية الإنسانية ويؤمن لها حياة كريمة شريفة تسهم بها في صياغة مفرداتها، وتشارك في تسطير تشريعاتها وقوانينها، فإننا نتفاجأ بما استجد من قرارات تنتقص من حرية المرأة وتحد من تمكينها من مستحقاتها الإنسانية قبل المادية، والمتعلقة بإضافة شرطين جديدين لزواج المرأة المواطنة من غير السعودي، واللذين ينصان على:
1- وجوب ألا يتجاوز عمر الراغبة في الزواج بأجنبي الـ50 عاما.
2- ألا يتجاوز الفرق في العمر بين الراغبين بالزواج الـ15 عاما.
وحيث إن المرأة مسؤولة وقادرة على تقدير حجم التبعات التي ستترتب على ما تقدم عليه من أمور حياتها، وحيث إن الشرع يقتضي وجود ولي لها فقط عند الزواج، وذلك للبكر، خاصة عندما تكون صغيرة السن ليساعدها في تأمين مستحقاتها وصون متطلباتها وحمايتها من الظلم وهضم الحقوق، فإننا نتساءل هل في تلك القوانين المستجدة أصل شرعي؟! وهل هي تنحاز لصالح مزيد من الحقوق للمرأة؟! أم أنها تعمل في الاتجاه المضاد؟! وهل المرأة وهي في سن 50 عاما تحتاج إلى من يقنن زواجها ويعقده؟! وهل يمنع الدين زواجها من غير السعودي طالما هي بلغت 50 عاما؟! أم أن الدين يسعى لتحصينها وحمايتها ولم يشترط لذلك جنسية بعينها؟! وإذا ما رجعنا للمنطق الطبيعي أليست المرأة في ذلك العمر المتقدم أكثر حاجة لأن تتزوج بمن يتقدم لها وتجده مناسبا حتى لو كان يختلف عنها في الجنسية؟! خاصة أنها في مرحلة من العمر ناضجة ولا تسمح لها بالإنجاب لتدخل في إشكالات منح الجنسية لأبنائها، والتي ما زال الجدل قائما حولها حتى الآن ولم تمنح الحق في ذلك حتى حينه. 
أما شرط ألا يتجاوز فارق العمر 15 عاما، فهو كذلك يجري عليه ذات الانتقاص من حق المرأة في تقرير مصيرها وإذنها في الزواج، وعلى الرغم من أهميته وصوابه، إلا أنه كذلك لا يمكن فرضه لأنه حق خاص بالمرأة تماما، وإذا كان هناك 
ولا بد من فرضه في ظل ما نشهده من تجاوزات حولنا، فليكن لصغيرات السن من (15- 19 سنة)، هؤلاء اللواتي تعتبرهن المعايير الدولية من المراهقات الصغيرات اللواتي يقتضي عدم تزويجهن، لما لذلك من أضرار نفسية وما يلحقهن من هضم لمستحقاتهن ذات الصلة بالتعليم والصحة والعمل وغيره، هذا مع الأخذ في الاعتبار قصور تقديرهن لعواقب ذلك عليهن وعلى مستقبلهن لصغر سنهن من جهة، وفي ظل ما يجري من تجاوز لبعض الآباء أو أولياء الأمور نحو سلب حقوق بناتهن والطمع في تزويجهن لمصالح مادية من جهة أخرى.
في ظل ما نعيشه ونشهده اليوم من تعزيز لتمكين المرأة السعودية، واسترجاع لكثير من الحقوق التي سلبت منها لسنوات طويلة بحكم قوانين وتشريعات خضعت للعادات والتقاليد والدين منها براء، وفي إطار التطلع لمزيد من التمكين بتصريحات تضمنها لقاء ولي العهد وتطلعات نعتز بها ونفتخر، وبرعاية قيادة شابة نزهو بها تسعى نحو التمكين الكامل للمرأة، وبما تستحقه كغيرها من النساء، فإن التوافق والانسجام في السياسات لقطاعات الدولة المختلفة، والتناسق والمواءمة في الإجراءات يضمن تحقيق الأهداف المرجوة والتطلعات المستهدفة لتمكين المرأة السعودية، وذلك ما تتضمنه رؤيتنا الإستراتيجية 2030 وما نسعى إلى تحقيقه من مستهدفات لبرنامج التحول الوطني 2020، وبالطبع فإن الأخذ بسياسات مضادة ومتقاطعة مع توجهاتنا الوطنية، كفيل بأن يعرقل من تحقيق مستهدفاتنا التنموية وتطلعاتنا الطموحة، ونظل نحوم حول ذات الدائرة.