راجح الخوري 

عندما أُغلقت الأبواب في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، كان كل شيء قد تم إعداده لمناسبة مميزة، كان الرئيس دونالد ترمب قد قال لتوّه للصحافيين، وهو يدخل إلى الاجتماع، إن المملكة العربية السعودية صديق عظيم، لقد كانت العلاقات مضطربة خلال إدارة باراك أوباما؛ لكنها الآن أفضل من أي وقت مضى.

في الداخل كان اللقاء حاشداً حول طاولة المفاوضات. لم يسبق أن تم استدعاء كل هؤلاء المسؤولين لحضور الاجتماع. جلس ترمب وإلى جانبه نائبه مايك بنس، ووزير خارجيته الجديد مايك بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، وفي المقابل جلس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، متوسطاً سبعة من الوزراء السعوديين: الخارجية، والتجارة، والطاقة والصناعة، والمالية، والثقافة والإعلام، والسفير السعودي في واشنطن، ورئيس الاستخبارات العامة.
عندما دخل المصورون لالتقاط الصور التذكارية، فوجئوا بمزيد من الرموز التي تعمّد البيت الأبيض إضافتها إلى ملامح هذا اللقاء، كانت قد عُلّقت على جدران الغرفة أعلام لها معناها الواضح، فيما يتصل بالتعاون العميق بين واشنطن والرياض: أعلام حرس الحدود الأميركي، والقوات المسلحة، ومشاة البحرية، والقوات الجوية، والبحرية الأميركية.
التحضير الأميركي الدقيق لهذا الاجتماع ذهب أبعد من ذلك، خصوصاً عندما اقترنت مداخلات الرئيس الأميركي برفعه لوحات ورسومات بيانية حول الأسلحة الحديثة التي ستحصل عليها السعودية، وحول التعاون الأمني العميق بين البلدين في مواجهة الإرهاب، والتصدي للعربدة الإيرانية في الإقليم!
في موازاة ذلك حصل شيء مهم، وله مدلوله الواضح لجهة عمق التعاون الذي ينسجه ولي العهد الأمير محمد مع الرئيس الأميركي، منذ زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة، فقد تزامن الاجتماع مع مناقشة مجلس الشيوخ مشروعاً قدمه السيناتور الجمهوري مايك لي، والديمقراطيان بيرني ساندرز وكريس مورفي، يدعو إلى وقف الدعم الأميركي الاستخباري واللوجستي لعمليات سلاحَي الجو السعودي والإماراتي، الذي يوفّر المعلومات حول الأهداف العسكرية للانقلابيين الحوثيين في اليمن الذين تديرهم إيران، وتستعملهم غطاء لاعتداءاتها الصاروخية! لكن غالبية أعضاء مجلس الشيوخ صوتت ضد مشروع القانون، وأيدت استمرار تقديم الدعم إلى التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يعمل لاستعادة الشرعية سلطتها في اليمن، وهو ما يتلاقى مع رسالة كان جيمس ماتيس قد وجهها إلى الكونغرس، تحذّر من أن هذه الخطوة لا تضرّ بالعلاقات الثنائية الحيوية مع السعودية فحسب، بل تعطل التعاون النشط بين البلدين لمحاربة الإرهاب!
اللقاء الشامل في المكتب البيضاوي، ذكّر كثيرين بالاجتماع الأول بين ترمب وولي العهد، عندما استدعى الرئيس الأميركي في خطوة غير مسبوقة، كبار معاونيه، إلى غداء أقامه للاستماع إلى الأمير محمد، الذي تجمع الصحافة الأميركية على وصفه بأنه صانع السعودية الجديدة، التي ستغيّر من مستقبل المنطقة والإقليم، وتطور قواعد العلاقات الخارجية مع هذه الجزء الحيوي من العالم.
كان اللقاء دافئاً وحماسياً، وبدا ذلك واضحاً تماماً من خلال لغة الجسد، وملامح الود الذي يعكس مرة جديدة ما سبق أن أعلنه الرئيس الأميركي عن إعجابه بالأمير محمد، ولم يتوانَ ترمب في انتقاد التصرفات غير المناسبة لإيران في الداخل والخارج، وأنه في هذا السياق سيعلن قراره النهائي حول مستقبل الاتفاق النووي بعد شهر تقريباً في 12 مايو (أيار) المقبل، مضيفاً: «سوف ترون ما سأفعله».
واضح هنا أن ترمب يشكّ عميقاً في أن تتمكن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق مع إيران، من أن تتوصل إلى إقرار التعديلات الجذرية التي طلبها منها، كشرط لعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، ولعل ما يعزز هذا الاتجاه قراره إقالة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، وتعيين مايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية في مكانه، وهو الذي يعارض الاتفاق بحزم.
كان اللقاء في البيت الأبيض مهماً ومميزاً، وشدد بيان سعودي على أهمية تجديد الجانبين التأكيد على التزامهما روابط الصداقة التاريخية والشراكة الاستراتيجية، وأن ترمب شكر ولي العهد على جهود المملكة العربية السعودية لإحلال السلم والأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكداً التزام الولايات المتحدة أمن السعودية واستقرارها، بينما نوّه الأمير محمد بالقيادة الأميركية لمواجهة تأثير التدخلات الإيرانية الهدامة في المنطقة، وهزيمة «داعش».
وفي السياق جرت مناقشة التطورات في المنطقة، والأمن الإقليمي، والحاجة دائماً إلى مواجهة النظام الإيراني وأذرعه العسكرية وحرسه الثوري، وتحميله المسؤولية عن محاولات تخريب الأمن والاستقرار في دول المنطقة، خصوصاً عبر تحريك الانقلابيين الحوثيين وتسليحهم.
ولإضفاء هالة من التميّز على المحادثات، كانت إدارة البيت الأبيض قد حضّرت لوحتين كبيرتين لصور الأسلحة الأميركية التي قررت السعودية شراءها بقيمة 12 مليار دولار، وعشية وصول ولي العهد إلى واشنطن وافق مجلس الوزراء السعودي على إنشاء 16 مفاعلاً نووياً، بكلفة 80 مليار دولار خلال العقدين المقبلين، وعلى حصر جميع الأنشطة التطويرية الذرية للأغراض السلمية في حدود الأطر التي حددتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقات الدولية؛ لكن ولي العهد كان واضحاً وصريحاً في القول إن السعودية ستعمد بسرعة إلى امتلاك القنبلة النووية إذا حصلت عليها إيران.
اليوم السبت، يبدأ ولي العهد زيارته إلى «سيليكون فالي» في كاليفورنيا؛ حيث يلتقي كبار المسؤولين عن شركات الاتصالات، باحثاً سبل التعاون في سياق مروحة من المشروعات العملاقة، التي وضعت لتطوير مستقبل المملكة، مثل مشروع «نيوم» و«رؤية 2030»، ويأتي كل هذا ضمن زيارة ماراثونية لمدة ثلاثة أسابيع، شملت سبع مدن، وتضمنت عقد عشرات من الاجتماعات مع مسؤولين ورجال أعمال، يمثلون قطاعات مختلفة؛ تقنية، وصناعية، وإلكترونية، وثقافية، وترفيهية، في صلبها التشجيع على الاستثمار في السعودية الجديدة التي يعكف على صناعتها.
عندما زار ولي العهد بريطانيا قبل أسبوعين، كتب وزير الخارجية بوريس جونسون قائلاً: «يجب ألا يكون لدينا شك في أن مستقبل السعودية؛ بل والمنطقة والعالم الإسلامي عموماً بكل تأكيد، يعتمد على نجاح الأمير محمد بن سلمان»، وها هو كريستوفر هينزيل، القائم بأعمال السفارة الأميركية في السعودية، يكتب مع بداية زيارة ولي العهد إلى الولايات المتحدة قائلاً: «تعمل المملكة العربية السعودية كشريك أساسي في الحفاظ على الاستقلال في الشرق الأوسط، فالمملكة الآمنة والمستقرة هي مفتاح السلام والاستقرار في منطقة مهمة لاقتصاد العالم بأسره، ولهذا السبب نقف مع شركائنا السعوديين ضد القوى التي تهدد المنطقة»!
عندما زارته نورا أدونيل من شبكة «سي بي إس» في مكتبه بالرياض، عشية سفره إلى واشنطن، سارت على خطى ديفيد أغناطيوس، لتسمع ما سمعه من ولي العهد الذي يعمل مع رفاقه 18 ساعة في اليوم، والذي يصل في زياراته الخارجية مثل عاصفة. إنه يسير على خطى طموحة لتطوير السعودية، ومحاربة التطرف والإرهاب... «وإن حدودنا هي السماء»، كما سبق أن قال لزميلنا داود الشريان.