عبدالله الغذامي

 الهويات الجذرية أزلية وتاريخية تنام حينا عندما ترتاح الثقافة وتزدهر الوعود ثم تنفجر مع الانكسارات وتخرج من مكامنها وتتصدر المشهد . ومنذ مطالع النهضات العصرية في أوروبا أولا ثم في سائر بقاع الأرض ، حسب تنوع تواريخ الظهور ، والناس تعتقد أن مفاهيم العدالة والمساواة ستحل المعاناة البشرية بمجرد أن تعلنها ثورة من الثورات،

أو تتمناها بعض النخب وتتصدر خطابها، وفي القرن العشرين كله كانت كلمة ( القرن العشرين ) تعني إعلانا بقرن الثقافة والعلم والحرية ،وإذا حدث أمر غير ثقافي وغير تحرري جاء التساؤل الضارب : كيف يحدث هذا في القرن العشرين ....!!! وهي لازمة كنا نسمعها في كل مناسبات ذلك القرن ، طبعا مع نسيان ذاكرة الحربين العالميتين ، ثم صراع المعسكرين بحربهم الباردة ، وحالات الاستعمار والوصايات السياسية ، وطغيان التسلط الماركسي من جهة والإمبريالي من جهة ، إلا أن نظرية القرن العشرين كانت تحتل الأذهان بوصفه قرن النضج الثقافي وتحقق الحلم البشري ،ولكن ما إن فرغ القرن من آخر أنفاسه حتى بدأت الهويات البشرية تتفجر في كل بقعة ، وعادت كل التحيزات والعنصريات والطبقيات ، وفي المقابل ظهرت الليبرالية الجديدة لتكون أقسى أنواع الاستغلال الاقتصادي الرأسمالي من بعد انهيار كل الوعود الاشتراكية ، وهذا فجر النفوس البشرية التي صارت ترى الاضطهاد وتعيشه عبر ثقافة الصورة التي تكشف توحشات البشر مع البشر فتؤجج المشاعر وتفجر مخازن الذاكرة التي صارت تعود لجذورها وتتشبث بها لمواجهة اكتساح العولمة وتوحشها.