محمد عبد المحسن المقاطع

 من الأمور المعلومة للجميع أن هناك هاجسا أمنيا متجدّدا تعيشه الكويت، وتنعكس أحواله بصورة جلية على أهل الكويت وترتيباتهم المستقبلية، فمنذ الغزو العراقي الغادر للكويت في بداية أغسطس عام ١٩٩٠، والوضع الأمني بالنسبة الى الكويت الدولة والشعب يمثل حالة من القلق المستمر، بل وحالة ماثلة من التوتّر وردود الأفعال أمام أي حدث يؤثّر في أمن الكويت.

وأدرك أن عدداً من المسؤولين في الكويت يعلمون هذه الحقيقة، بل تم اتخاذ عدد من الخطوات والإجراءات التي تكرّس الثقة بأمن البلد واستقراره، مثل اتفاقيات الدفاع المشترك مع كل من أميركا وروسيا وبريطانيا، وفرنسا، ومحاولة الارتباط بمشاريع اقتصادية مع الدول الكبرى، حتى يكون ضمن أولوياتها الحرص على أمن الكويت واستقرارها، باعتبار أن ذلك هو جزء من دفاع تلك الدول عن مصالحها وحماية مشروعاتها في الكويت.
وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات، فإن الهاجس الأمني لا يزال يشكّل مسألة حيوية للكويت الدولة والشعب، وهو ما نلحظ صيرورته هاجسا ملحا عندما يطرأ أي حادث يؤثر في أمن الكويت والمنطقة، ولا شك في أن التمعّن في التغيّرات الدولية والإقليمية في السنوات الثلاث الماضية تحديدا، يبرز أن الوضع الأمني للكويت سيظل هاجسا أكثر إلحاحا وحضورا في السنوات المقبلة، وهو ما يشكّل حالة مستمرة من اللااستقرار، وهو يتطلب معالجة إستراتيجية ملموسة تكرّس الأمن والاستقرار من جهة، وتبدّد كل أنماط القلق الذي يخالج المواطنين وينعكس على تصرّفاتهم بالحذر المشوب بالقلق ورد الفعل في شؤونهم المستقبلية الحياتية والوظيفية والمالية من جهة أخرى. ولئن كانت السياسات العالمية تجاه منطقة الخليج العربي تحديدا وتجاه الشرق الأوسط بصورة أشمل تتّسم بالتغيّر تبعا لتبدّل المصالح والتحالفات، فإن ذلك سبب جوهري لتبنّي الكويت إستراتيجية تأخذ بالاعتبار كل ذلك حتى لا نتعامل برد الفعل، بل نحسب حساب المفاجآت، فأعداء الأمس أصدقاء اليوم، وأصدقاء اليوم قد يكونون أعداء الغد، ومن هنا تكمن محورية التوجه الإستراتيجي لأمن الكويت.
ولعل ما تم تداوله في الآونة الأخيرة حول نمط الإستراتيجية الأمنية المستقبلية للكويت، يبدو خيارا منطقيا وبراغماتيا؛ إذ اعتمد توازنا أمنيا يبنى على ضلعين رئيسَين، هما استمرار الاتفاقيات الأمنية مع الدول العظمى الحالية، والثاني، وهو المتداول هذه الأيام، ألا وهو إبرام اتفاقية تحالف وحماية كاملة مع بريطانيا، بحيث تتواجد قوات رمزية بريطانية دائمة (٣٠٠٠ جندي مثلا)، مما يمثل حماية مستقرة في أوضاع إقليمية متوتّرة، خصوصا أن مثل هذا الاتفاق سيؤهل الكويت لتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع البريطانيين، وهم الحليف الأكثر استقرارا ومعرفة بالمنطقة، وهم من سيساعدون على تحقيق وضع أمني إستراتيجي مأمون ضد التقلّبات العالمية والإقليمية، بل إن الكويت أكثر دول المنطقة بنية سياسية وقانونية ومالية، يمكن من خلالها للبريطانيين إعادة ارتباطهم بالمنطقة، وهو ما يعتبر وفقا لقراءات المستقبل جاذبا لبريطانيا بعد مضيها بخيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن مثل هذا الاتفاق سيكون أحد مسارات تعويض الآثار الاقتصادية لخروجها من أوروبا. والله أعلم.