سالم سالمين النعيمي 

 على الرغم من أن نظام الأسد له العديد من الأعداء في المنطقة، ولكن يبقى وجود نظامه هو الخيار الأول لجميع الأطراف في ظل تنوع الحضور الدولي وانتشار المليشيات المحلية، وخاصة أن مسألة خروج أي طرف من اللعبة هي قضية شائكة أخرى، والوجود الروسي هناك يتعلق بالأمن القومي الروسي، ولذلك هو دائم حيث تمثل سوريا أهمية اقتصادية وعسكرية قصوى للجانب الروسي، وهنا تكمن معضلة الولايات المتحدة، إذا كانت القوات الروسية تدعم الأسد، وتهاجم القوات المدعومة من الولايات المتحدة، فما هو القرار الأميركي؟ أم أن القرار الأميركي قد اتخذ وهو محتفظ به في الصندوق الأسود للحالة السورية، ولا يملك كلمة السر لفتح الصندوق غير الرئيس بوتين والرئيس دونالد ترامب؟!

فأميركا خضعت لضغوط روسيا بأن تقدم نفسها على أنها محاربة الإرهاب نيابة عن العالم في سوريا، بينما أجبرت الولايات المتحدة إما على أن تحذو حذوها، أو تقف إلى جانب محاولتها الفاشلة لإنشاء ميليشيا تمرد فعالة، ولا سيما بأن روسيا اليوم تملك عدداً أقل من الحلفاء حول العالم ونظام الأسد هو بالتأكيد مفتاح النفوذ التي لا ترغب روسيا في التخلي عنه، ولن تسمح بإسقاط نظام الأسد واستبداله بحكومة متعاطفة مع الغرب ولا يعنيها إنْ كان من الصواب دعم نظام مسؤول عن ذبح ما يقارب من نصف مليون نسمة، وتشريد الملايين؟

فهل كانت هناك صدمة بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية على القدرة العسكرية الروسية الواضحة للوصول في غضون شهور إلى ما لم يكن بوسعها أن تفعله أميركا في سنوات؟ ناهيك عن أن روسيا تدخلت في سوريا بطلب من قبل الرئيس بشار الأسد، وهي نقطة تعمل على طول إطار الأمم المتحدة للتدخل العسكري في الدول ذات السيادة، بغض النظر عن مدى الاعتراف الدولي على رئاسة الأسد، وبذلك تبدو روسيا وكأنها الوكيل الأجنبي الوحيد الشرعي في سوريا.

ويوجد ما يقارب من 2000 مقاتل تابعين لتنظيم «داعش» من أصل روسي أو من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ولذلك كان على روسيا أن تتعامل مع «داعش» وتُقوّض قدراته، ومن ثم تحد من أعداد المنضوين فيه قبل عودتهم إلى الأراضي الروسية أو الشيشان، وإنغوشيا، وداغستان.

ومن جانب آخر يعد ميناء طرطوس والقاعدة الجوية الروسية في حميميم إضافة نوعية تعزز التواجد الروسي في البحر الأبيض المتوسط، ​​ويساعد على منع حصار البحر الأسود في حالة وقوع حرب ومحاولة حلف «الناتو» محاصرة القوات البحرية الروسية بجانب الحصول على منفذ ومجال جوي تابع لحلف "الناتو"، كما جربت روسيا فعلياً العديد من الأنظمة القتالية في الصراع السوري والحصول على فرصة ذهبية لاكتساب خبرة حربية مكثفة، في بيئة معادية وفي تضاريس لا ترحم ومن دون أدنى شك بأن هذا النوع من الاختبارات يستحق التضحيات، وقد رفع معدلات الثقة في بين أفراد القوات المسلحة الروسية، ونجحت روسيا في فرض وعرض قدراتها على حلف شمال الأطلسي (الناتو) مما يثمل ردعاً غير مباشر.

فروسيا تعمل من دون شك على استعادة المجد السوفييتي، ولهذا قامت بفعالية في تعطيل الجهود الأميركية لزعزعة استقرار سوريا، كما تعاونت بصورة مكثفة مع تركيا وإيران لمنع أي حوار سياسي تكون الولايات المتحدة هي المحرك الرئيسي له، وبدورها تقوم روسيا بدعم الأسد كورقة مهمة لتأمين إنشاء خطي أنابيب غاز مختلفين مقترحين ليتم بناؤهما لتزويد أوروبا بالغاز الذي ينتقل عبر سوريا وبدورها تدعم الولايات المتحدة الجماعات المقاتلة الأخرى كخطوة مهمة لمشروع بناء خط الأنابيب القطري الإيراني عبر تركيا إلى أوروبا، ولذلك الموقف معقد للغاية وإيران وتركيا بين السندان والمطرقة.

وقد لا تكون أميركا وبريطانيا والباقون مرتاحين لطموحات بوتين في الشرق الأوسط، أو أساليبه في تحقيقها، لكن فكرة دعم المعارضة المعتدلة في سوريا أثبتت أنها غير ناجعة وتركة المجال للأسد وبوتين وهذا الأخير سعى أيضاً إلى التوفيق بين الفصائل المتحاربة في سوريا، في حين إن البنتاجون أنفقت مليارات الدولارات في محاولة لتدريب جيش من المعتدلين وفي الوقت نفسه أصدقاء للديمقراطية، والذي تبين ضعف فعاليته، بينما تعمل الاستخبارات العسكرية الروسية مع السوريين لتحديد الجماعات المتمردة المستعدة لإبرام صفقة مع الأسد.