محمد السعيد إدريس

في كل مرة كانت تدفع تركيا بقواتها في شمالي سوريا أو في شمالي العراق كان السؤال يفرض نفسه: ماذا تريد تركيا؟ هل هي مهتمة فعلاً بالحرب على الإرهاب، سواء كان هذا الإرهاب «داعش» أو هو ما تعتبره تركيا إرهابياً، أي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض وامتداداته في كل من سوريا والعراق؟ هل ما يهم تركيا هو تأمين حدودها، بل وحتى تأمين مجتمعها التركي من خطر الدعوة الانفصالية للشعب الكردي فقط أم أن الهدف التركي الحقيقي، يتجاوز الهدف الأمني إلى هدف التوسع والتمدد في سوريا والعراق استعداداً لإعلان المطالب الرسمية التركية في ضم أراضٍ سورية وعراقية تعتبرها أراضي تركية اقتطعت عنوة في مؤتمر لوزان 1923، وأنها ترى أن المدى الزمني لاتفاقية لوزان وهو مئة عام قد اقترب. 

كبار المسؤولين الأتراك، لم يستطيعوا يوماً إخفاء طموحاتهم في حلب وكركوك، لكنهم كانوا يؤجلون دائماً الإفصاح الرسمي إلى أن يحين الوقت المناسب، ويبدو أن الوقت المناسب قد حان على الأقل في سوريا بعد نجاحهم في فرض سيطرتهم الكاملة 18 مارس على مدينة عفرين في شمالي سوريا ضمن عملية «غصن الزيتون» التي بدأتها القوات العسكرية التركية بالمشاركة مع فصيل «الجيش السوري الحر» الموالي 20 يناير. نجاحات الجيش التركي في عفرين، وتفاهمات تركيا مع روسيا بالتمدد في عفرين مقابل ضوء أخضر تركي للجيش السوري وللقوات الروسية بالتمدد في الغوطة الشرقية لدمشق، ووجود القوات الأمريكية في محافظات الضفة الشرقية لنهر الفرات في سوريا قدمت لأنقرة الإغراءات الكاملة للتمدد في شمالي سوريا والطموح للتمدد أيضاً في شمالي العراق من خلال البحث عن ذريعة مماثلة لفرض عملية «غصن زيتون» تركية أخرى هناك.

فعقب إكمال الجيش التركي فرض سيطرته الكاملة على مدينة عفرين أعلنت أنقرة أن مدينة «تل رفعت» شمالي سوريا ستكون الهدف المقبل للعملية العسكرية بعد السيطرة على عفرين، وبعد مضي أسبوع تقريباً على نجاحات الأتراك العسكرية في عفرين قالت «سنستمر في هذه العملية الآن إلى حين القضاء بشكل كامل على هذا الممر الذي يشمل منبج وعين العرب (كوباني) وتل أبيض ورأس العين والقامشلي». وقدمت المبررات هذه المرة، ليس الدفاع فقط عن الأمن التركي المهدد، من وجهة نظرها، من المتمردين الأكراد، ولكن «رغبة شعبية» لدى سكان هذه المناطق، ومن المشابهة بالأطراف الأخرى، فالكل من وجهة نظره أضحت له مناطقه التي يسيطر عليها ويحكمها علناً في سوريا، فلماذا لا تكون تركيا هي الأخرى لها مناطقها التي تسيطر عليها؟ 
هكذا قالت تركيا صراحة،: «لا يحق لأحد القول إن تركيا تحتل سوريا» وأضافت أن «الجميع في سوريا ما عدا تركيا، موجودون هناك لنوايا وتكتيكات مختلفة»، و«سنكون في أقرب وقت إلى جانب أشقائنا الذين ترنو أعينهم وقلوبهم إلينا على طول الحدود السورية».
الجديد بعد ذلك هو العراق، فقد أعلنت تركيا أن قواتها بدأت عملية عسكرية في منطقة «سنجار» العراقية.

يبدو أن الأمر في العراق سيكون مختلفاً عنه في سوريا، وأن مهمة تركيا ستكون أصعب هناك. في سوريا الحكومة المركزية ليست لها سيطرة على الشمال السوري حتى الآن، حدودها تقف عند حلب، والشمال مقسم الآن بين الأمريكيين في شرق الفرات والأتراك في غربه، أما في العراق فالحكومة المركزية تسيطر على الحدود، وهي تسعى إلى إبعاد القوات التركية الموجودة في مدينة «بعشيقة» تحت غطاء الحرب ضد «داعش»، لكن يبدو أيضاً أن الحكومة العراقية لا تريد أن تدخل في صدام مع تركيا وتريد إيجاد حلول توفر لتركيا مطالبها الأمنية وتحول دون الدخول التركي إلى أراضي العراق وذلك بإنهاء أي ذرائع للتمدد في الأراضي العراقية والقيام بعملية «غصن زيتون» أخرى في العراق تحت غطاء محاربة الإرهاب الكردي، من هنا جاءت دعوة إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي خلال لقائه مع أحمد يلدز وكيل وزارة الخارجية التركية لانسحاب القوات التركية من بعشيقة، وتأكيد رفضه القاطع لخرق القوات التركية للحدود العراقية، لكنه كان حريصاً في ذات الوقت، على تأكيد أن «العراق لن يسمح بتواجد أي قوات على أراضيه تقوم بعمليات عسكرية في أي دولة من دول الجوار».

تركيا تراهن على فشل الحكومة العراقية في القيام بالمهمة وتستعد لعملية «غصن زيتون» أخرى في العراق، ورهانها أن نجاحها في سوريا سيكفل لها فرصة مواتية في العراق، متجاهلاً أن ما يعتبره نجاحاً في سوريا لا يملك مقومات الصمود أمام متغيرات الأمر الواقع التي تفرض نفسها في سوريا بعد انتهاء معركة «الغوطة».